ننتظر ساعات أو أيامًا قليلة لتنفيذ عملية جديدة في القدس أو في الضفة الغربية، ولا نعرف من أين سيأتي المقاوِم الجديد، وأين سيسدد ضربته، وما هي الطريقة التي سينال فيها من جنود ومستوطني الاحتلال؟ هذا ليس تنجيمًا، ولا ضربًا من الخيال، بل حقيقة وواقعًا سنراه قريبًا، مستندين إلى الحالة الثورية السائدة في الضفة الغربية، التي بلغت مبلغها، وأصبح لها تأثير كبير على الساحة الفلسطينية، وأصبحت محط الاهتمام والأنظار، والتحركات السياسية الواسعة لمحاولة تهدئتها أو النيل منها، لكن من الواضح أنها تجاوزت هذه المحاولات والزيارات، وأن التحرك الإقليمي والأمريكي لن يؤثر عليها، بل إنها ستزداد وتأخذ أشكالًا جديدة.
عملية القدس التي نفذها حسين قراقع، وقبله بأيام خيري علقم، نموذج للعمل المقاوم المتواصل وخاصة من مدينة القدس التي تتعرض لكل أنواع الانتهاكات والاقتحامات، خاصة في ظل الحكومة اليمينية المتطرفة التي يقودها نتنياهو، وتضم بن غفير الذي أصبح منصبه في مهب الريح في ظل الانتقادات الواسعة ضده، لفشله في مواجهة عمليات المقاومة خاصة القادمة من القدس.
إستراتيجية المقاومة التي نجحت في تثوير الضفة الغربية، هي عمل متواصل ومركز، وتتحلى بالصبر والهدوء، والمراكمة عليه، لتصبح الضفة هي ساحة المواجهة والميدان، والتي ستجبر الاحتلال على تغيير سياسته العدوانية، وستدفعه الثمن على اعتداءاته في القدس والضفة، وضد الأسرى والنقب والمثلث، ومقاومة مشروع التهويد الذي أعلنته الحكومة الصهيونية المتطرفة الجديدة.
بعمليات القدس والضفة المتتالية ينتقل العمل المقاوم إلى بُعد إستراتيجي مهم، يثبت أن الضفة هي بؤرة المواجهة، وميدان المقاومة الفعلي، وليست بديلة عن أحد، لأن كل جبهة هي سند لغيرها، لكن لكل منها ظروفها، وتسند الأخرى بكل السبل، وتخوض المواجهة معًا في لحظة معينة، على غرار معركة سيف القدس التي أطلقتها المقاومة لتوحيد الجبهات في مايو 2021، وهو ما يخشى الاحتلال تكراره مجددًا في رمضان المقبل، والتي يمكن أن تكون أضعافًا مضاعفة عما حدث في سيف القدس.
تحدث خبراء صهاينة على مدار الأيام الماضية عن كيفية إدارة العمل المقاوم في الضفة، وكرروا ذلك بعد عملية القدس، بأن المقاومة في غزة تدير تثوير الضفة، بهدوء أعصاب، وأنها نجحت في ذلك، وأن الاحتلال عاجز عن مواجهتها، سواء بعدم قدرته على مهاجمة غزة بسبب العمليات في الضفة، لعدم وجود دليل ملموس على إدارة المقاومة للعمل في الضفة، وحينما ترد على غزة ستجلب حربًا ومواجهة قد لا يحتملها الاحتلال، ولن تكون مبررة لدى المجتمع الدولي، فهو يدرك أن من يجلس في غزة يدير المواجهة ويديه أمامه، ويستخدم كل الأدوات لتثوير الضفة، إعلاميًا وجماهيريًّا، وسياسيًّا، ويحاور إقليمًا لمنع الذهاب إلى مواجهة، لكنه ممسك بكل الملفات بطريقة يصعب على الاحتلال الوصول إلى خيوط العمل الفعلي، ويتركه يتخبط يمينًا ويسارًا.
نحن بحاجة ماسة إلى مواصلة هدوء الأعصاب، وإدارة المواجهة بحكمة واقتدار، بما يؤلم الاحتلال، ويساهم في تطوير وتعزيز أدوات المقاومة في الضفة، بل تأجيجها، لمزيد من العمليات ضد الاحتلال، وتدفيعه ثمن جرائمه في القدس ونابلس وجنين وأريحا والخليل، والنقب، وأن ثمن الاحتلال هو مزيد من العمليات ضد المستوطنين والجنود، وننتظر العمل المقاوم الجديد في قادم الساعات والأيام، وببصمة خاصة كعهدنا بهم.