مخطئ من يظن أن العلاقة بين الدول تحكمها القيم والأخلاق، فالواقع والتاريخ يقولان إن المصالح هي وحدها التي تتحكم بتلك العلاقة مهما بلغت درجة التحالف بينها والاندماج، كما يؤكد الواقع أن دوام الحال من المحال، إذ أظهرت الحرب الروسية الأوكرانية تراجعًا واضحًا للهيمنة الأمريكية الأحادية على العالم، بعدما تربعت على ذلك العرش أكثر من ثلاثين عامًا، ما يؤكد أن لكل بداية يوجد نهاية، كما تدلل على ذلك نواميس الكون، ويكون التعجيل بسقوط الدول حسب ظلمها، فكلما استبدت وظلمت كان ذلك دليلًا على قرب أفول نجمها، وبذلك تكون الولايات المتحدة الأمريكية هي أقصر الإمبراطوريات التي حكمت العالم عمرًا في التاريخ.
وكما هو واضح منذ بداية الأزمة الروسية الأوكرانية كيف طمأنت الولايات المتحدة حليفها الرئيس الأوكراني، واستعدت أن تقف بجواره حتى لا تسمح لروسيا بالمساس بسيادة دولته، حتى ذهب الأخير إلى التصعيد مع الروس وهو مطمئن بألا يمكن شن حرب عليه، وما أن دقت طبول الحرب تخلت أمريكا عنه، بل عرضت عليه خروجًا آمنًا هو وأسرته بعيدًا عن أوكرانيا.
هذا التراجع للدور الأمريكي في المنطقة بدأ منذ أن تخلت الولايات المتحدة عن حلفائها في أفغانستان وسوريا والعراق وليبيا وغيرها من مناطق الصراع في العالم، حتى يتأكد للجميع أن من يتغطى بأمريكا سيكون عريانًا، ولن تقف معه في أي أزمة يواجهها، بل ستدير له ظهرها كما فعلت في العشر سنوات الأخيرة مع أقرب حلفائها، بعدما نهبت خيرات تلك البلاد، وجعلت منها غابة صراع لاستهلاك ما تنتجه الولايات الأمريكية من سلاح وبضائع، وستترك حلفاءها يواجهون مصيرهم وحدهم دون تدخل، ما يؤكد أن هذه الدول الكبرى التي صدعت رؤوسنا بالقيم والمثل هي بلا أخلاق.
ونحن كفلسطينيين نستفيد مما يحدث أن دولة الاحتلال الصهيوني ستواجه نفس المصير، ولن تقف معها الولايات المتحدة الأمريكية إذا ما شعرت بقرب أجلها الذي بات أقرب من أي وقت مضى.