أوصى خبراء في مجالي البيئة والاقتصاد، بتشكيل لجنة وطنية فلسطينية تشارك فيها جهات حكومية ومؤسساتيَّة، للتكيُّف مع الآثار البيئية السلبية الناجمة عن تغير المناخ، والاستفادة من الاتفاقيات الدولية التي ترتبط بها فلسطين في مجال البيئة.
ويعدُّ تغيُّر المناخ القضية الحاسمة في العصر الحالي، فالآثار العالمية واسعة النطاق لم يسبق لها مثيل من حيث الحجم، ومن تغيُّر أنماط الطقس التي تهدد الإنتاج الغذائي، وارتفاع منسوب مياه البحار التي تزيد من خطر الفيضانات الكارثية، إذ إنّ التكيُّف مع هذه التأثيرات سيكون أكثر صعوبة وكُلفة في المستقبل ما لم تُتَّخذ إجراءات جذرية الآن.
ويقول عميد كلية الزراعة في جامعة الأزهر سابقًا الدكتور خليل طبيل: "إنّ فلسطين بدأت تتأثر بالتغير المناخي، وقد بدا ذلك واضحًا في القطاع النباتي".
ويوضح طبيل لصحيفة "فلسطين"، أنّ مواسم زراعة المحاصيل الزراعية لم تبقَ على حالها كما السنوات السابقة، فقد حدثت فيها تداخلات، فالمزارع الذي كان يستعد لزراعة محصول ما في موعده، يتفاجأ بأنّ الظروف المناخية ليست ملائمة لإنجاح نمو هذا المحصول.
ويشير إلى أنّ ذلك أثَّر في إمداد السوق المحلي باحتياجاته من المحاصيل الزراعية، وأسهم في نقص الكميات المعروضة، وفي رفع الأسعار.
ويُبيّن طبيل أنّ الأمطار تأثرت أيضًا بالتغير المناخي، فالمطر يهطل في وقت قصير وبكميات كبيرة ثم ينقطع، في حين أنّ التربة الزراعية الأفضلُ لها استمرارية الهطول بكميات قليلة مع مراحل زمنية أطول، لكي تستفيد النباتات والخزان الجوفي.
تأثيرات سلبية
وقد أسهمت أنشطة سلطات الاحتلال العسكرية والاقتصادية على أراضي الضفة الغربية أو بالقرب منها، في تدمير التوازنات المناخية والبيئية، كما يؤكد المسؤول في الإغاثة الزراعية د. عرفات حنيني، موصيًا بفضح هذه الجرائم في المحافل الدولية وتبيان تأثيرها السلبي في البيئة.
وينبه حنيني لصحيفة "فلسطين"، إلى أنّ ارتفاع درجات الحرارة يتسبب في عطش الأشجار المعمرة والاقتصادية في فلسطين، وهذا ينذر بتلفها، ما يستدعي التنبه إلى ذلك، مضيفًا أنّ التغير المناخي أسهم في انتشار أمراض وآفات زراعية لم تكن موجودة في السابق.
ويلفت حنيني الانتباه إلى أنّ التغير المناخي رفع من نسبة المناطق الزراعية المتصحرة الواقعة في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وانطبق ذلك على فلسطين، إذ لوحظ تحول أراضٍ زراعية خصبة كانت تعد سلّة غذائية مهمة، إلى مناطق قاحلة.
ويتخوّف من ارتفاع جديد في درجات الحرارة تتخطى 4-5 درجات، عندها ستؤثر في المحاصيل الزراعية، مشيرًا إلى أنّ نقص المحاصيل يتطلب سد العجز بالاستيراد من الخارج، ما يعني استنزاف الموارد المالية.
ويدعو إلى تقليص استخدام الوقود الذين ينجم عنه أدخنة سامة تؤثر في الغلاف الجوي، مقابل التوسع في أنظمة الطاقة الشمسية، واستخدامها بالمنشآت الصناعية والزراعية والمؤسسات العامة في فلسطين.
ويحثُّ على وضع خطة وطنية تشارك فيها جهات حكومية وغير حكومية للتكيُّف مع الآثار البيئية السلبية لتغير المناخ، والاستفادة من الاتفاقيات الدولية التي ترتبط بها فلسطين في مجال البيئة، وأن تشارك فلسطين في المؤتمرات والاجتماعات للاطّلاع على تجارب التعامل مع التغير المناخي.
ويهيب بمؤسسات المجتمع المدني المعنية بالبيئة إلى أن تُكثِّف من مشاريع التوعية بمخاطر التغير المناخي، وأن تتشابك في ذلك مع مؤسسات رسمية ومؤسسات مجتمع مدني أخرى لتكثيف العمل، متصورًا أنّ أنشطتها في هذا الاتجاه محدودة، وتُنفّذها حسب متطلبات الجهات المانحة.
وفي هذا السياق، يشير الباحث في شؤون البيئة، جورج كرزم، إلى إجماع خبراء المناخ على أنّ فلسطين وجميع بلاد الشام تتأثر سلبًا بأربعة اتجاهات مناخية وهي: ارتفاعات في درجات الحرارة، ونسب الرطوبة، ومستويات سطح البحر، وتقلّبات أكثر تطرفًا في الطقس، مضيفًا أنّ بلاد الشام وإفريقيا والخليج ستصبح في أواسط القرن الحالي ساخنة جدًّا للجنس البشري.
ويضيف كرزم في تصريحات صحفية، أنه مع تفاقم ملامح التغير المناخي، سيعاني الفلسطينيون أكثر فأكثر شحَّ المياه التي يتحكم فيها الاحتلال الإسرائيلي، في حين ستصبح الأقطار العربية الواقعة على تخوم الصحاري أكثر صحراوية.
وعليه، يُتوقّع أنّ تصبح البلدان الصحراوية، من منظور الجغرافيا السياسية المرتبطة بالتغير المناخي، غير صالحة عمليًّا للسكن البشري، وفي العقود المقبلة ستزداد مخاطر الكوارث الطبيعية والفيضانات وتلوث المياه، والهجرة القسرية والأوبئة والمجاعة والتوترات الحدودية.