بكل أسف، ودون محاولة لتجميل القبيح، فإننا نتأكد يوماً بعد الآخر أن هناك من يوجه بطولة الرياضة نحو الاتجاه الخطأ، سواء كنوع من التعصب، أو بشكل متعمد، وفي كلتا الحالتين لا بُد أن تكون هناك وقفة جادة من أعلى الهرم.
ولأن الجهات الرياضية ولا سيما الأندية والاتحادات لم تعد قادرة على تصويب المسار وتوجيه البوصلة نحو رياضة هادفة ومُنتجة وطنياً ورياضياً، فقد بات الأمر يأخذ طابع الناتج السلبي الخطير على الحالة الاجتماعية بشكل عام وليس على الحالة الرياضية.
فقد حذرنا منذ سنوات من أن الأمور ذاهبة باتجاه الشحن والعصبية والقبلية والفئوية، ولكن أحداً لم يستشعر الخطر حتى وهم يرون أن الكبار هم من يُشعلون نار العصبية والفئوية بأفكارهم السوداء سواء بجهل كون أغلبهم هبط على الساحة الرياضية بمظلة تنظيمية، أو بقصد من خلال الخضوع لرأس الهرم الذي لم ولن يعطي للرياضة في غزة أي اهتمام، بل على العكس، حيث تعمد قتل كل ما هو رياضي في غزة بصورة بطيئة حتى لا يشعر أحد بسوء جريمته النكراء.
إن ما وصلنا إليه الآن من تردٍّ في الأزمة الرياضية، بحيث باتت أزمة أخلاق وانتماء في ظل ما أوصلتنا إليه المرجعيات الرياضية سواء الرسمية كمجلس أعلى للشباب والرياضة، أو أهلية كاللجنة الأولمبية والاتحادات والأندية.
وبصورة عامة وشاملة وبعيداً عن الدبلوماسية، فقد أصبحت الرياضة في الوطن تُدار من أشباه قيادات تقود كل الهيئات الرياضية إلا من رحم ربي، حيث أصبح رؤساء الأندية والاتحادات واللجان الأهلية الرياضية تتقدم الصفوف بفعل قوة الذراع الحزبية التي أصبح همها الأول السيطرة على الساحة الرياضية بتعيين رؤساء ضعفاء يسهل السيطرة عليهم.
فقد بتنا نرى رؤساء لأندية واتحادات أشبه بالأصنام التي لا حول لها ولا قوة إلا قوة الحزب المُسيطر على الحركة الرياضية والذي بات مشكوكا في أمره من أجل زعزعة الاستقرار المجتمعي، ومن أجل أن تذهب غزة إلى بحر من الخلافات فوق الخلافات التي تجثم على صدرها بفعل الانقسام والحصار المتعمد بفعل فاعل.
لقد باتت أنديتنا مرتعاً لجيل من المتعصبين والمتهورين والفئويين الذين أصبحوا عالة على المجتمع وأصبحوا هم يقودون المدرجات نحو تجزئة المُجزأ وتقسيم المُقسم، ولا سيما وصولهم إلى مرحلة صياغة ونشر بيانات بسم روابط المشجعين تتضمن خروجاً عن النص الوطني وتهديداً للسلم الأهلي.
كما أن معظم الاتحادات الرياضية باتت مجرد اسم على غير مسمى تقودها مجالس إدارة مُعينة بعيداً عن الانتخابات وبعيداً عن الكادر الرياضي النقي غير المُرتب تنظيمياً، وهو ما تسبب في وصول أعضاء لا علاقة لهم بكرة القدم إلى سدة الحكم، وهو ما نتج عنه الكثير من الأخطاء في عمل معظم لجان الاتحاد.
لقد أصبحت الرياضة الفلسطينية عامة والغزية على وجه الخصوص تُقاد بأفكار جهوية وفئوية تنظر إلى تحقيق مصالحها على حساب المصلحة العامة، دون أن يُحاسبهم أحد ودون مُحددات تحكم الحركة الرياضية.
لقد بتنا نتعامل مع ألقاب البطولات على أنها أغلى من أي شيء وأن الحصول عليها يأتي بالطرق المشروعة وغير المشروعة، مع أن الجميع يعلم أنها أصبحت بطولات مُفرغة من محتواها وقيمتها ومردودها المادي والمعنوي
لقد بتنا متأكدين أن رأس الهرم الرياضي لديه هدف خاص لا تعنيه المصلحة العامة بقدر ما تعنيه المصلحة الخاصة، وهو ما ثبت على مدار 16 عاماً من الدكتاتورية في قيادة الحركة الرياضية بتحكمه في كل مفاصل الرياضية والقائمين عليها حتى يضمن نجاح مخططه.
الخطير في الموضوع أن رأس الهرم يعتمد على قاعدة من الكوادر شبه الرياضية التي تعتبر ذراعه لتنفيذ تعليماته المُعلن منها والمخفي، بحيث أصبحت هذه القيادات عبئاً على الحركة الرياضية.
وعندما نردد المثل الشعبي "جاهل يرمي حجراً في بئر لا يستطيع عاقل إخراجه"، فإن هذا الأمر انعكس تماماً، بحيث إن الحجارة تُلقى في بئر الرياضة من كبارها وقادتها الوهميين الذين تم تنصيبهم على رأس المؤسسات الرياضية بحكم التعيين الحزبي بعدما تم قتل ووأد الجمعيات والهيئات العامة للأندية والاتحادات.
إن ما يحدث في حركتنا الرياضية وصل إلى نقطة صعبة وخطيرة جداً وباتت أقرب إلى نقطة عدم القدرة على العودة للصواب، وهو ما سكت ويسكت عنه معظم قادة العمل الرياضي المحكومين بأنظمة وعلاقات ومصالح باتت بعيدة عن الطابع الإيجابي.
إن ما يحدث على ساحتنا الرياضية بات أكبر بكثير من الاعتراض على بعض القرارات الرسمية، فقد أصبح انقلابا على الأسس والقيم والمبادئ والأخلاق والنظم واللوائح التي مستها أيدي المتنفذين لكي تخدم تعزيز وجودهم وبسطهم لسيطرتهم على الحركة الرياضية التي كانت في يوم من الأيام رافعة وطنية، فتم تحويلها إلى معول هدم لكل ما هو جميل ومنطقي وقانوني.
إن الأزمات التي تم إيجادها على الساحة الرياضية بفعل فاعل، باتت تُدار بالمؤتمرات الصحفية التي لا تخلو من الفئوية والجهوية، ويُرد عليها ببيانات لا تقل عنها فئوية وجهوية وقبلية وعصبية، حتى وصلنا إلى مرحلة لم تعد فيها الرياضة تُطاق بفعل ما تجلبه للمجتمع والشارع الفلسطيني من متاعب بسبب التغاضي عن الخلل.
أخيراً، أقولها بمرارة، بأن الاحتلال لم يعد بعيداً عن مدرجات ملاعبنا وعن ساحتنا الرياضية بكل هيئاتها، إلا من رحم ربي، وهذا أصبح يتطلب تدخلاً سياسياً وأمنياً يُعيد العجلة الرياضية إلى الطريق الوطني والأخلاقي قبل أن ينقلب القطار ويقع الضحايا.
لقد فات ما فات من وقت اعتقد الجميع أن الأمور تسير فيه بشكل إيجابي وهم يرون المياه تجري من تحت أقدامهم، وليس هناك مجال لإضاعة مزيد من الوقت حتى نصل فيه إلى تحول الساحة الرياضية إلى ساحة حرب يسقط فيها الضحايا نفسياً ومعنوياً ومادياً.