مع دخول عام 2023م باتت تتصاعد يومًا بعد يوم إرهاصات انتفاضة فلسطينية قادمة في مواجهة عدوان جيش الاحتلال ومستوطنيه الذين باتوا اليوم مع مجيء حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة أكثر فاشية وإجرامًا تجاه الفلسطينيين العزّل، حتى وصل الحال بالمجرمين الصهاينة إلى إعدام أكثر من خمسة وثلاثين مواطنًا فلسطينيًّا بدم بارد، من بينهم ثمانية أطفال وامرأة مسنة، منذ بداية شهر يناير الحالي، ما دفع وزارة الصحة الفلسطينية إلى عدّه الشهر الأكثر دموية منذ عام 2015م.
اقرأ أيضاً: 8 عمليات إطلاق نار من أصل 27 عملاً مقاوماً بالضفة خلال 24 ساعة
جرائم الاحتلال المتصاعدة ضد الفلسطينيين في يناير الحالي هي امتداد لسياسة القتل الممنهجة والجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال ومستوطنوه بحق الفلسطينيين منذ سنوات، إلا أن حدة الجرائم الصهيونية ارتفعت بشكل كبير خلال العام الماضي، وهذا ما أكده المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في تقرير نشره يوم أمس، إذ ذكر التقرير أن "أعداد القتلى الفلسطينيين في الضفة المحتلة سجّلت عام 2022م ارتفاعًا بنسبة 82% مقارنة بعام 2021م، وارتفاعًا بنحو خمسة أضعاف (491%) مقارنة بعام 2020م"، كما أكد التقرير أن معظم الضحايا الفلسطينيين كانوا من المدنيين، وأن 20% منهم كانوا أطفالًا، في انتهاك واضح لكل المواثيق الدولية والإنسانية.
واليوم ومع بدء حكومة نتنياهو في تطبيق سياساتها العنصرية الفاشية ضد الفلسطينيين، واستهداف الأسرى في سجون الاحتلال، والإصرار على هدم منازل المقدسيين بذريعة عدم الترخيص، واقتحامات المسجد الأقصى برعاية رسمية من حكومة نتنياهو، والحديث عن مخططات استيطانية غير مسبوقة تمهد لضم الضفة المحتلة، وسيل التصريحات العنصرية التي يطلقها المسؤولون الصهاينة ضد الفلسطينيين، ولا سيما وزيرهم الأرعن "بن غفير" الذي يهدد ويتوعد على مدار الساعة، وتشجيعه العلني على قتل الفلسطينيين، وإبعادهم، وهدم منازلهم، ودعوته لتسليح المستوطنين الصهاينة، ومطالبته بإعدام الفلسطينيين، جميعها إرهاصات تؤكد أن هذه الحكومة الصهيونية هي حكومة حرب بامتياز تهدف إلى التهرب من أزماتها السياسية الداخلية باتجاه إشعال مواجهة مفتوحة مع الفلسطينيين.
لا شك أن حكومة الاحتلال ومنظومته الأمنية واجهت صدمة كبيرة مع نجاح الفلسطينيين في الوصول إلى عمق القدس المحتلة، وتنفيذ عمليتين فدائيتين خلال ساعات قليلة، ما أربك منظومة الاحتلال الأمنية التي يقودها الأرعن "بن غفير"، الذي بدا مرتبكًا وهو يواجه صراخات المستوطنين الصهاينة الذين حمَّلوه مسؤولية تنفيذ تلك العمليات في القدس، وباتوا يدركون ـنهم يدفعون ثمن سياسات حكومتهم الفاشية، وتهديدات بن غفير العدوانية، وقراراته المرتكبة، التي ثبت أنها لن توفر الأمن للمستوطنين الصهاينة، وأن جرائم جيش الاحتلال ومستوطنيه في الضفة المحتلة لن تمر دون رد فلسطيني، وأن المستوطنين الصهاينة سيدفعون ثمنها خوفًا ورعبًا في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة.
من ناحية أخرى فإن العمليات البطولية في القدس المحتلة التي نفذها شاب وفتىً فلسطينيان ما زالا في مقتبل عمريهما تؤكد من جديد فشل احتواء الفلسطينيين، وفشل نظرية "الفلسطيني الجديد"، وفشل منظومة "التنسيق الأمني"، وفشل "تدجين الجيل"، وأكدت أن أجيال الفلسطينيين تقتفي أثر الآباء والأجداد في مواجهة الاحتلال، والتمسك بخيار "المقاومة"، والدفاع عن الأرض والمقدسات، والصمود حتى دحر الاحتلال عن أرض فلسطين.
اقرأ أيضاً: القانوع: العمليات البطولية أكدت "ردّ المقاومة لن يتأخر"
كما أن فشل الاحتلال في القضاء على ظاهرة "عرين الأسود" في نابلس، وكتيبة جنين، وامتداد عمليات المقاومة لتطال جميع المدن والبلدات الفلسطينية في الضفة المحتلة، ونجاح المقاومين في تنفيذ عشرات العمليات الفدائية يوميًا، بدءًا من تنفيذ عمليات إطلاق النار، وتفجير العبوات الناسفة، وإحراق النقاط العسكرية، ومرورًا بمواجهة الاقتحامات العسكرية للبلدات الفلسطينية بصليات مكثفة من الرصاص الحي والعبوات الناسفة، وصولًا إلى قنص المستوطنين الصهاينة داخل مستوطنات الضفة من عمق البلدات الفلسطينية، ومن مسافات بعيدة، وهي إشارات تؤكد مخاوف الاحتلال من تنامي ظاهرة المقاومة المسلحة التي باتت تشكل تهديدًا وجوديًّا للمشروع الاستيطاني في الضفة المحتلة، بل إن وصول هذه العمليات المسلحة إلى داخل البلدات المقدسية يعيق عمليًّا استمرار سياسة تهويد المسجد الأقصى وبلدات مدينة القدس المحتلة.
ختامًا، إن المتابع لإصرار الفلسطينيين على مواجهة سياسات وعدوان الاحتلال، وتنامي الحاضنة الشعبية الداعمة للمقاومة في الضفة المحتلة، وانضمام عشرات المقاومين من الأجيال الشابة لمجموعات المقاومة، وصمود أمهات الشهداء اللاتي يقدمن فلذات أكبادهن راضيات بقدر الله، مستبشرات بالنصر القادم، إنما يؤكد أن الضفة المحتلة التي تمثل عمق الصراع مع الاحتلال مقبلة على انتفاضة فلسطينية جديدة، تتصاعد إرهاصاتها يومًا بعد يوم، ويحمل رايتها جيل جديد بات مؤمنًا بأن البندقية وحدها هي عنوان المرحلة القادمة.