وأخيراً، انفض "السامر" الفتحاوي، وقد أوضحت نتائج اختتام المؤتمر السابع ما كان واضحاً، بل ومُعلناً، منذ بدء التحضير له والذي امتدَّ لأكثر من عام، عَصَفَت في أُتونِهِ رياحٌ هَوجاء بين التيارات المتصارعة على كراسٍ مُعَلّقةٍ في فضاء الاحتلال الذي بات يتحكم في كل شؤونه وشجونه!
كما بات معلوماً من هم أعضاء المجلس الثوري واللجنة المركزية لتيار "حركة فتح" الموالي للرئيس عباس، والمراقب يلحظ دون عَناء أن الخروج أو الدخول إلى عضوية هاتين الهيئتين مُرتَبط بإعلان الولاء للرئيس عباس، ولا علاقة لهذه المُتغيرات البتة بدمقرطة الحركة أو ضخ دماء جديدة وقد لوحِظَ غياب فاجعٌ لِثقل العنصر الشاب أو المرأة!
وإذا تم التدقيق بروِيّةٍ وموضوعيّة في الأسماء المذكورة فسَنَجِدُ أن معظم الشخصيات البارزة من بينها تلتف حول عباس ليس لأنه شخصية كارزمية حازَ على إعجابها وولائها، وإنما لأن لها مشروعها الطموح في خلافِته وارتأت أن تتموضع داخل تياره بانتظار اللحظة المناسبة لتولّي شأن " الحركة " العجوز.
ويَشيرُ كُثُرٌ من المراقبين إلى أن هؤلاء المتنافسين على خلافة عباس يعملون منذ زمن بعيد على ترتيب الأتباع تمهيداً لذلك خاصة وأنه شاع الكثير عن اعتلال صحة الرئيس والسقوط "العظيم" لمشروعِه السياسي الذي وصل إلى الحضيض.
كما أنه لا بد من التأكيد على أن المشاركين في هذا السباق الماراثوني إلى سدّة " السلطة " لا حظوظ لهم في بناء نظام سياسي مُستقر فلا خلاف برنامجي أو فكري بينهم جميعاً وهم شركاء فيما آلت إليه الأوضاع الفلسطينية عموماً وعلى نحو خاص في الضفة الفلسطينية والقدس المحتلَّتيْن بكل ما يعصف بهما من استيطان، وعمليات قتل مفتوح على مداه وتكثيف لاقتحامات المستوطنين اليهود وتدنيس لحُرمة المسجد الأقصى وتأدية طقوسهم وشعائرهم التلمودية داخل باحاته تحت الحماية الكاملة لِشُرْطة الاحتلال ووحداته الخاصة وقوات التدخل السريع، في الوقت الذي لم يَزل فيه قطاع غزة يئنُّ تحت وطأة حصار هو وبكل المعايير جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية.
يجري كل ذلك في غياب كامل لسلطة مقاطعة رام الله المحتلة المنشغلة بتوفير الأمن للمستوطنين والمستوطنات في الوقت الذي يَسْتعدُّ فيه أعضاء "الكنيست" للتصويت على قانون "شرعنة" البؤر الاستيطانية المُقامة في الضفة والقدس من خلال صيغتين لهذا القانون. هكذا، وفي الوقت الذي يعود فيه المؤتمرون "إلى قواعدهم" ينبري تيار النائب محمد دحلان المفصول من عضويتي "حركة فتح" والمجلس التشريعي في إعلان عدم الاعتراف بشرعية المؤتمر السابع أو الالتزام بأي من قراراته ونتائجه؟!
وقالت النائب عن كتلة فتح البرلمانية نعيمة الشيخ علي: إن جزءاً كبيراً من " فتح " يعتبر هذا المؤتمر وكأنه لم يكن، وقد بُنيَ على أسس غير شرعية وكل قرارات الفصل غير معترف بها وهي غير قانونية. وأضافت مُستغربةً "كيف يُمكن لمؤتمر حركة فتح أن يُهمِّشَ قطاع غزة، وكيف لا يكون للقدس عاصمة الدولة الفلسطينية ممثل عنها في اللجنة المركزية.
وتشير عديد المصادر إلى أن الأيام القادمة ستكون حُبلى بتطورات درامية رداً على تجاوزات الرئيس عباس ومؤتمره المُستهجن بكل مُدخلاتهِ ومخرجاته، وأن هناك مباحثات تجري في ساحات وأقاليم " الحركة " لعقد مؤتمر تشاوري لكادرات وقيادات "حركة فتح" (جناح محمد دحلان)، وسيصدر عن ذلك نتائج وتوصيات هامة لإنقاذ الحركة وضمان وحدتها واستعادتها من خاطفيها!
والمؤتمر السابع "لحركة فتح" يتنكر لتاريخ هذه الحركة الرائدة ولا يتناول في أيٍّ من مطوياته أشكال النضال المعتمدة لمواجهة هذا الاحتلال الكولنيالي بغير ما أضحى يُسمى "المقاومة الذكية" والمفاوضات التي لم تكن يوماً أسلوباً لمواجهة العدو الاستيطاني والمُحتل.
فالمفاوضات دوماً وفي تاريخ كل حركات التحرير التي انتصرت وأحرزت الاستقلال لم تكن سوى وسيلة لحصاد ما أنجزته أشكال النضال المتعددة إن كانت سلمية أو عنيفة تعتمد الكفاح المسلح.
إن دعوة المؤتمر السابع إلى ضرورة التصدي "للانقسام البغيض" تتم في الوقت الذي تزداد فيه وتيرة الاعتقال للمجاهدين ومن بينهم عدد واسع من الأسرى المُحررين استمراراً للتبادل الوظيفي في مواجهة رجال المقاومة البواسل وغياب قطاع غزة المحاصر عن أجندة "حكومة الحمد الله" التي لا تتعاطى مع 2 مليون مواطن فلسطيني وكأنهم خارج ولايتها.
مؤتمر ينتهي إلى حديث فضفاض لا طائل من ورائه عن الوحدة الوطنية، والمجلس التشريعي مُجمَّدٌ، والاطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية لم يُدع للاجتماع منذ خمس سنوات ونيف لإعادة بناء مؤسسات ودوائر المنظمة على أسس ديمقراطية.
إن الدعوة لانعقاد المجلس الوطني الفلسطيني دون ما نصت عليه بنود اتفاق المصالحة في القاهرة عام 2011 هو هروب من استحقاقات بناء القلعة الوطنية على أسس وحدوية صُلبة وديمقراطية ومن الإقرار بالشراكة الوطنية الحقة.
وحين تختتم "حركة فتح" العباسية أعمال مؤتمرها، فهي لا تستبعدُ فقط معارضي عباس، وإنما تتنكر للنضال الوطني وِحْدَةً وبرنامجاً، وهما الطريق الوحيد لاستعادة الوطن والحفاظ على ثوابتهِ المقدسة.