ارتكب العدو الإسرائيلي "جريمة مروعة" في مخيم جنين، خلفت هذه الجريمة عددًا كبيرًا من الشهداء والجرحى، فضلًا عن الخراب والدمار في المنازل والممتلكات، وعلى أثرها زادت الدعوات إلى الانتقام من الاحتلال، والمطالبات بضرورة وقف التنسيق الأمني، إذ حملت الجماهير الفلسطينية المسؤولية المباشرة للسلطة الفلسطينية إلى جانب الاحتلال، وطالبتها بوقف التنسيق الأمني؛ كون هؤلاء الشهداء وغيرهم كانوا مطلوبين لأجهزة الأمن الفلسطينية على خلفية أعمال المقاومة، وكون التنسيق الأمني هو أكبر خيانة للمشروع الوطني، والذي بموجبه تمكن الاحتلال أمنيًا وسَهُل نشاطه ومهماته في الأراضي الفلسطينية، وبالتزامن مع ذلك زادت المطالبات لعناصر الأجهزة الأمنية بضرورة الانخراط في المواجهة الدائرة مع الاحتلال، وإسناد المقاومة بكل السبل، وعدم تركها وحدها في الميدان.
وإزاء هذه المطالبات، ومع حالة الغضب والاحتقان الجماهيري، تحركت السلطة الفلسطينية واتخذت (قرارا شكليًا) بوقف التنسيق الأمني، لاعتبارات عدة:
-
محاولة امتصاص غضب الجماهير، وتخفيف حدة الانتقادات الموجهة لها، تفاديًا لأي تحرك شعبي في هذا الاتجاه.
-
الظهور بمظهر وطني بعد أن فقدت شعبيتها في الأوساط الفلسطينية وبعد أن اتهمها شعبنا بالخيانة والتواطؤ والتعاون مع الاحتلال.
-
الظهور بمظهر المدافع والحامي لشعبنا، بعد أن تغول الاحتلال وسفك دماء عشرات الشباب دون أن يكون لها دور حقيقي في توفير الحماية لشعبنا، ومع تخليها عن القيام بواجبها الوطني ورفض توجيه الأجهزة الأمنية إلى المشاركة في مواجهة الاحتلال.
-
عدم استعدادها لتقديم أي شكل من أشكال الدعم للمقاومة المسلحة التي يمارسها شعبنا، سواء بالمال أو السلاح أو الإيواء أو حتى بالقرار والموقف السياسي.
لذلك سارع المتحدث باسم رئاسة السلطة "نبيل أبو ردينة" وقال في تصريحات صحفية: "إن السلطة الفلسطينية أوقفت التنسيق الأمني مع "إسرائيل" في الضفة الغربية المحتلة بعد العدوان الإسرائيلي على مخيم جنين"، وأوضح البيان الصادر عن قيادة السلطة: "إنه وفي ضوء العدوان المتكرر على أبناء شعبنا، والضرب بالاتفاقات الموقعة عرض الحائط ، بما فيها الأمنية، نؤكد أن التنسيق الأمني مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي لم يعد قائماً اعتبارًا من الآن"، لكن البيان لم يفلح في إقناع جماهير شعبنا، وأثار مزيدًا من الانتقاد و السخط العام ضدها؛ لأنه جاء في (إطار المناورة)، ولم يكن جديًا، ولو كانت السلطة الفلسطينية صادقة فيما تقول ومعنية بوقف التنسيق الأمني، لبدأت فعليًا في اتخاذ خطوات عملية لترجمته على أرض الواقع.
فالواقع يكشف عن وضع مختلف؛ لأن الاستدعاءات والملاحقات والمضايقات لا زالت قائمة، وعشرات المعتقلين في سجون السلطة من أبطال وكوادر المقاومة لم يفرج عنهم حتى الآن، كما أن الاتصالات لم تتوقف مع العدو لحظة، سواء بعد هذا القرار أو بعد قرارات مشابهة سابقة، وما زال قيادات السلطة يحصلون على ميزات خاصة في الحركة والسفر وغيرها على الحواجز والمعابر والمطارات، كثمرة من ثمار بقاء التنسيق الأمني، فضلًا عن التسريبات التي ينقلها الإعلام العبري عن أن التنسيق لم يتغير، وأن السلطة أصدرت القرار لاحتواء الموقف فقط، لذلك فإن كانت السلطة حريصة على تغيير الوضع القائم، وجادة في قرارها، فعليها التحرك فورًا لترجمة القرار وفق التالي:
أولا_ الإفراج الفوري عن معتقلي المقاومة، ووقف الملاحقات والاستدعاءات على خلفية سياسية وعلى خلفية أعمال المقاومة.
ثانيا_ توفير كل أشكال الدعم للمقاومة، ودعوة الأجهزة الأمنية إلى الانخراط في المواجهة الدائرة مع الاحتلال.
ثالثا_ تجريم أي شخص أو جهة داخل السلطة يمكن أن تجري اتصالًا بالاحتلال، وتقديمها للمحاسبة حال تجاوزت قرار وقف التنسيق الأمني.
رابعا: وقف كل التسهيلات والميزات الخاصة التي حصل عليها قيادات وكوادر السلطة بفعل التنسيق الأمني، وتقاسم المعاناة مع شعبنا وعدم العيش في ظروف مختلفة عن واقع شعبنا، فلا يعقل أن تقدم التسهيلات لهم، في الوقت الذي يستهدف فيه شعبنا، ويضيَّق عليه على الحواجز وفي المعابر وغيره.
خامسا: إنهاء أي إجراءات عقابية اتخذت ضد شعبنا، بما فيه قطاع غزة، والذي يدفع الثمن نتيجة إجراءات جاءت بتوجيه أمني إسرائيلي لتركيع المقاومة.