- اللقطة: المنظمون لم يراعوا رمزية الرئيس عرفات فاستعانوا بفن لا يتناسب مع الحدث
- عساف: ليس هناك جدية في كشف جريمة اغتياله والحال نفسه في قضية الرسوم
مر عام على تشكيل السلطة لجنة تحقيق في معرض كاريكاتير نظمته مؤسسة ياسر عرفات برام الله في 23 يناير/ كانون الثاني 2022، لضمّه رسومًا مهينة ومسيئة للراحل عرفات، تقدح في رمزيته، ومثّلت إساءة لكل من يحبه، لكن نتائجها باتت رهينة الأدراج.
في المقابل، وقبل أيام، أقدمت صحيفة "الحياة الجديدة" التابعة للسلطة على فصل رسام الكاريكاتير فيها محمد سباعنة بذريعة نشره كاريكاتيرًا عبَّر فيه عن صمت قيادة السلطة عن جرائم الإعدام الميدانية التي ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي، وانعدام خياراتها، وعدّته إساءة لرئيس السلطة محمود عباس، وأوقفته عن العمل بعد 15 عامًا من الخدمة فيها.
المفارقة في الأمر، أن من تتفاوض صحيفة الحياة معه ليشغل وظيفة "سباعنة" في رسم الكاريكاتير هو أحد عناصر أجهزة أمن السلطة، ومنسق معرض الرسوم المسيئة للراحل عرفات، ما عدَّه مراقبون تناقضًا يطرح علامات استفهام بشأن "ازدواجية المعايير" التي تمارسها السلطة.
اقرأ أيضًا: بسبب نشره كاريكاتير.. صحيفة الحياة تفصل الرسام محمد سباعنة
ففي وقت يُعتقل كل من ينتقد سلوك السلطة ونهج رئيسها السياسي، أو الفصل كما حدث مع الرسام "سباعنة"، ومن قبله القيادي في حركة فتح منير الجاغوب الذي أُنهي تفرغه من "التعبئة والتنظيم" ليعود إلى سلك الشرطة بسبب انتقاده لعباس، في حين تُتجاهل الإساءة للراحل عرفات ولا يتعاطى معها ولا يحاسب المسؤولون عنها.
وشارك في معرض الرسوم المسيئة للراحل عرفات حينها أكثر من 100 رسام من 43 دولة، وضم 350 لوحة عُلّقت 250 منها على جدران متحف عرفات، في حين عُرضت اللوحات المتبقية على شاشة عرض على مدخل المتحف، ولم تمضِ ساعات على افتتاحه الذي شارك فيه رئيس حكومة رام الله محمد اشتية حتى أُزيلت اللوحات على وقعِ انتقادات شعبية واسعة خاصة من جماهير حركة فتح.
وفي إثر موجة السخط على المعرض، أعلنت حركة فتح تشكيل لجنة تحقيق فيما عرف بـ"فضحية الرسوم"، إلا أنّ الكثيرين عدوا ذلك محاولةً لتهدئة الغضب الجماهيري، لإماتة القضية، ولم تُعلن عن نتائجها إلى الآن.
رمزية الشهداء
يُعرّف رسام الكاريكاتير الشهير علاء اللقطة فن البورتريه بأنه فن عالمي معروف بالمبالغة في إظهار ملامح الشخصية إلى درجة السخرية أحيانًا، وهو أحد روافد فن الكاريكاتير الذي يتطلب حِرفية عالية وخبرة طويلة في إتقان التفاصيل، وليس بالضرورة أن يكون الهدف من وراء هذا الفن السخرية أو التجريح.
ونبَّه اللقطة في حديث لصحيفة "فلسطين" إلى وجود خصوصية في كل الثقافات، خاصة فيما يتعلق بمجتمعاتنا وقدسية شهدائنا ورموزنا، إذ ليس بالضرورة أنّ كل ما يتقبله الغرب يُفرض علينا تقبله تحت مسمى الفن والثقافة والانفتاح، لافتًا إلى أنّ ما قدمته صحيفة "شارلي إبدو" من رسوم مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وحتى للمسيح عليه السلام والأديان، تحت مسمى الفن والإبداع.
وأضاف أنّ المعضلة تكمن فيمن نظّموا المعرض، إذ لم يراعوا رمزية عرفات للشعب الفلسطيني، فاستعانوا بفن لا يتناسب مع الحدث، فأساؤوا للشهيد ومحبيه، ربما من باب الجهل أو نقص الخبرة.
وعلّق على عدم نشر نتائج لجنة التحقيق بقوله: "تعودنا في بلادنا على أنك إذا أردت دفن قضية فشكّل لها لجنة، فلجنة التحقيق في اغتيال عرفات لم تُعلن نتائجها بعد، فهل سننتظر نتائج لجنة من الجهة ذاتها بشأن رسومات مسيئة له؟".
ولم يُبدِ الكاتب والمحلل السياسي عمر عساف استغرابه عدم إعلان نتائج لجنة التحقيق في الرسوم المسيئة لعرفات، مشيرًا إلى أنه حتى اليوم وبعد 19 عامًا على اغتياله شخصيًّا، لم تُعلن النتائج على الرغم من كل الشهادات والتسريبات التي خرجت بشأن قضيته.
وتساءل عساف في حديث لـ"فلسطين": "إذا لم يكن هناك جدية في الكشف عن جريمة اغتيال عرفات فكيف سيكون هناك جدية في محاسبة من أجاز نشر الرسوم المسيئة له؟"، لافتًا إلى تشكيل الكثير من لجان التحقيق لكن نتائجها صفرية.
اقرأ أيضًا: وقفة احتجاجية بغزة ضد الرسوم المسيئة للرئيس عرفات
وبحسب عساف، يتحمل القائمون على معرض الرسوم المسيئة لعرفات مسؤولية الموافقة على عرضها أو التواطؤ في ذلك، وينبغي أن يكونوا معروفين بالأسماء وطبيعة المهام، لكن السعي دائمًا لطي الملفات واستخدامها للابتزاز وليس الوصول إلى الحقيقة قد يكون أحد أسباب عدم نشر النتائج.
فصل تعسفي
وعلى وقع خبر مؤلم، بإعدام قوات الاحتلال المعلم جواد بواقنة (58 عامًا) والشاب أدهم جبارين (28عامًا) في جنين شمالي الضفة الغربية المحتلة، الخميس الماضي، فاق المخيم على جرح جديدٍ عبّر عنه ابن المخيم الرسام "سباعنة"، برسم كاريكاتير تظهر شخصية عباس وهو يضع يده على فمه، ويفكر في ثلاثة خيارات: "ندين، نستنكر، نشجب"، وعلّق الرسام: "القيادة تدرس الخيارات".
ولم تمضِ ساعات على نشره الكاريكاتير على صفحته الشخصية حتى جاء قرار إنهاء عمله في صحيفة الحياة.
يعقب سباعنة في حديث لـ"فلسطين" على قرار فصله التعسفي، بأن قرار إنهاء عمله جاء بتوجيهات من جهات متنفذة، مردفًا: "دفعت ثمن موقفي مع أهلي في جنين وهو أقل ما يمكن تقديمه".
وأضاف سباعنة (44 عامًا) أن "المضحك في الأمر أن رئيس تحرير الجريدة البالغ من العمر سبعين عامًا، تذرع لي بأن سبب إنهاء عملي هو إتاحة الفرصة للطاقات الشابة"، عادًا قرار فصله انتهاكًا لحرية التعبير عن الرأي التي يكفلها القانون الفلسطيني.
ولفت إلى أنه يتوقع هذا القرار منذ بدء عمله مع الصحيفة، خاصة أنها لم تكن المرة الأولى التي يواجه فيها مشاكل مع إدارة الصحفية بسبب رسومات انتقد فيها منظمة التحرير وشخصيات في قيادة السلطة.