فلسطين أون لاين

تقرير "كزدورة في بلاد المعمورة".. رحلة تتجاوز المثل الشعبي العربي

...
كتاب كزدورة في بلاد المعمورة
رام الله – غزة/ فاطمة الزهراء العويني:

وجدت الباحثة باسلة العناني شغفها بالإبحار في "الأمثال الشعبية" ورصدها ودراسة تاريخها، خاصة الفلسطينية منها، إذ أصدرت مؤخرًا كتابها الثاني "كزدورة في بلاد المعمورة".

العناني (80 عامًا) من مواليد يافا وتقيم حاليًا في رام الله، لم تتقبل فكرة التقاعد بعد 36 عامًا من العمل في مجال التدريس، فلجأت أولًا إلى التطوع في الأعمال المجتمعية قبل أن تنتقل إلى البحث والدراسة التي قادتها إلى الأمثال الشعبية عندما شاهدت برنامجًا تلفزيونيًا لمذيع يسأل المواطنين الفلسطينيين عن بعض الأمثال الشعبية فلا يستطيع أغلبهم الإجابة.

اختارت العناني وهي أم لعشرة أولاد، توثيق الأمثال الشعبية الفلسطينية بالاستماع إلى التاريخ الشفوي المنقول عن كبار السن، تصطحب في سيارتها أجندتها وتسجل الأمثال التي تسمعها في القرى والمدن الفلسطينية.

جمعت العناني الأمثال التي سمعتها في كتابها الأول "أمثال جمعتها في حياتي" الذي صدر عام 2015م واستغرق منها عشر سنوات من العمل، وكان عبارة عن جمع وتدوين للأمثال، وضمَّ في طيّاته رسومات منوعة قامت هي برسمها.

وتقول العناني: إن المثل الشعبي يعد من أقدم الأشكال الأدبية لوضوح معناه ومباشرته وسهولة حفظه، مشيرة إلى أن العرب قديمًا وحديثًا اهتموا بالأمثال اهتمامًا كبيرًا، "فكما أن الشعر ديوان العرب، فالأمثال تأتي من بعده من حيث الأهمية، مدللة على ذلك اهتمام الباحثين العرب بجمع وتدوين الأمثال في العصور القديمة والحديثة التي كانت موجودة منذ أيام الجاهلية".

وتمضي بالقول: "الأمثال الشعبية ترتبط على وجه الخصوص باللهجة العامية السائدة، ما يجعلها تعكس معطيات البيئة المحلية بكل منظومتها واتجاهاتها الأخلاقية والاجتماعية والنفسية، لتتضمن بين ثناياها من الحِكمة والتجارب الشخصية بإيجاز وخفّة وبساطة، لتساعد في تقريب المعنى وفهمه وتعكس التراث الإنساني في ذاك الوقت".

وتلفت إلى مرور فلسطين بعصور مختلفة كالأيوبيين والمماليك والعثمانيين ومواسم الحج، ترك كل عصر مجموعة من الأمثال الشعبية المتداولة، مثل "أرض ولدت عليها لا تفرط فيها"، "الأعور بين العميان باش كاتب".

وترى أن الكثير من الأمثال تحمل قيمًا مجتمعيًا أو تدعوا إلى عدم التفريط بها مثل "حط ايدك بايد أخوك بصيروا الناس يهابوك"، فهذا المثل يدعو لأن يحب الإخوة بعضهم البعض ويتحدوا مع بعضهم.

نتاج رحلاتها

وزارت "العناني" العديد من الدول منها الأردن والسعودية والبرازيل وإيطاليا وبريطانيا، "ووجدت أن لكل بلد أمثالًا شعبية تتشابه في مضمونها مع أمثال الشعوب الأخرى"، مبينة أن كتابها الثاني هو نتائج جمع الأمثال المتداولة في تلك البلدان، وهو مؤلف من سبعة فصول.

وتلفت إلى أن اسم الكتاب "كزدورة في بلاد المعمورة" الصادر عن دار طباق للنشر والتوزيع، استغرق منها شهرين من الزمن حتى اهتدت إليه.

وتبيّن أن الفصل الأول من الكتاب يضم أمثال الأسرة، والثاني يحمل عنوان لماذا يُضرب المثل الفلسطيني؟، أما الثالث فيحمل مقارنة بين الأمثال الفلسطينية مع نظيراتها في الدول العربية القريبة من حدود فلسطين وهي الأردن وسوريا ومصر، ومنها المثل القائل "الحيطان لها آذان"، و"ايش دخّلك بيت عدوك؟ قلو حبيبي فيه"، مع اختلاف اللهجات.

أما الفصل الرابع فأفردته العناني لسبعين مثل شعبي فلسطيني يتحدث عن الزيت والزيتون، "فالزيتون من أهم المزروعات في فلسطين منذ فجر التاريخ ومن أهم الأشجار التي اشتهرت بها بلادنا منذ العصرَين الروماني واليوناني، وبعض الأشجار منذ ذلك الوقت موجودة حتى وقتنا الحاضر لأنها معمرة ومباركة منذ القِدم فهي نامية ومتجددة ومعطاءة وجاءت مباركتها في القرآن الكريم".

وأوضحت أن هناك أمثالًا تبين فائدة الزيتون والزيت وأخرى تحث على الزراعة والمحافظة على الأرض، مثل "الزيت عماد البيت"، و"الزيت مسمار الركب"، "وكول زيت وانطح الحيط"".

تحامل على المرأة

وأفردت العناني الفصل الخامس، للحديث عن الطقس وعن الأشهر، ومما جاء فيه "شمس كانون تضرب مثل الطاعون"، ويضرب هذا المثل أن الشمس تكون ضارة وحارقة في بعض الأيام، ويقال أيضًا "شمس شباط بتخلي الراس مثل المخباط" ، "نيسان أبو سبل" ، "أيار توت وشمس وخيار"، وكل فصل له أمثاله الخاصة به.

أما السادس فيتحدث عن المرأة في الأمثال الشعبية، "وهي تحمل بداخلها تحاملًا واضحًا عليها لأن نسبة كبيرة منها وصفت المرأة بصفات لا تليق بكائن اجتماعي يقوم بكل هذه الأدوار المميزة داخل المجتمع، ومنها "البنت بتّعب أهلها ولو ماتت".

وتقول العناني: "المثل يصاغ غالبًا بمجتمعنا بلسان ورغبة ذكورية، فالمجتمع هو الذي يعطي مثل هذه الصورة المتناقضة للمرأة مع دورها ووظيفتها في الحياة المشتركة مع الرجل".

أمام الفصل السابع فجمعت فيه أمثالًا شعبية متنوعة من أنحاء العالم، "وقد وجدت أن التفكير البشري والميول الإنسانية تتنازع وتتقارب مع اختلاف الأماكن والأزمان والبلدان"، مشيرة إلى أن المثل الشعبي كلماته موجزة إلا أنه مفتاح لدراسة أحوال الشعوب، بصفتها جزء من الأدب الشعبي، مشيرة إلى أنها تعكف على إصدار الكتاب الثالث في المجال نفسه الذي ستسجل فيه حكاية 45 مثلًا.