تَشغَلُ الطائرات المُسيرة فكر القادة العسكرين في أي صراع قد ينشب في العالم، نتيجة تطورها والتوسع في استخدامها، وعلى الرغم من ظهور أجيال عديدة منها، فإن أساليب استخدام هذه الطائرات، أضافت إليها أبعاداً جديدة، أحدثت ثورة في مجال الاستخدام، ما أدى إلى فتح آفاق متعددة للطائرات المُسيرة لتنفيذ العديد من المهام التي تكلف بها طائرات القتال الحديثة.
وتولي "المستوطنة العسكرية" في (تل أبيب) أهمية قصوى لسلاح الطيران المُسير بكل أنواعه وتخصصاته، بل تكاد تعتمد عليه اليوم في معظم عملياتها، ولا يكاد يُنفذ جيش الاحتلال أي عدوان أو نشاط عملياتي دون مشاركة "الدرونز".
في السنوات الأخيرة، شهد العالم ما بات يُطلق عليه "الحروب الذكية"، إذ تواجه معظم الدول تحديات حقيقية في هذا المجال، وأحد أهم هذه التحديات يتعلق بالتصدي لسلاح الطائرات المُسيرة، سواء تلك التي تُستخدم للرصد والاستطلاع وجمع المعلومات، أو تلك المخصصة للهجوم الجوي، ومنها ما يُطلق عليه "ميني درونز"، التي أصبحت تستخدم في كثير من الأحيان كطائرات انتحارية "سلاح كاميكازي"، لتنفيذ عمليات الاغتيال أو استهداف المنشآت الحيوية، إذ تَعملُ وفق نظام المهمةِ الواحدة "ذهاب بلا عودة".
وَتُشيرُ مصادر وزارة حرب العدو إلى أن 80% من جميع ساعات الطيران التشغيلية للقوات الجوية تنفذها طائرات مُسيرة، بدءاً من مهام جمع المعلومات الاستخبارية والمراقبة، إلى مهام الاستطلاع التقليدية، وصولاً إلى تنفيذ عمليات الاغتيال والقصف الجوي لأهداف مرصودة سابقاً، ويمتلك العدو حالياً 6 أسراب من الطائرات دون طيار، من بينها 5 أسراب في سلاح الجو، في حين السرب السادس يتبع لسلاح المدفعية.
ويعد كيان الاحتلال من الدول الأكثر تقدماً على مستوى العالم في هذا المجال، وتتركز معظم عمليات التطوير والتخطيط في مصنع "ملاط"، التابع للصناعات الجوية لإنتاج الطائرات من دون طيار، ويقع المركز الرئيس للسيطرة على هذه الطائرات والتحكم في إطلاقها في قاعدة "بلماخيم" الجوية، الواقعة قرب مستوطنة "ريشون ليتسيون"، شرق (تل أبيب) وَسَطَ فلسطين المحتلة، حيث توجد مدرسة خاصة بتدريب المجندين على إدارة هذه الطائرات وتفعيلها والسيطرة عليها.
ولقد نشرت مجلة "فورين بوليسي"، مقالاً لافتاً إلى إمكانية أن يُصَعِّد اليمين الفاشي الصهيوني "حرب الطائرات المُسيرة"، ضد الشعب الفلسطيني وفرسان مقاومته أكثر من أي وقت مضى، وقد كان هذا التطرف الديني بِكُتَلِهِ على اختلافها من حركات المستوطنين، هو الدافع نحو إستراتيجية عسكرية دموية، فكيف حين أصبحت هذه المنظمات هي التي تُسيطرُ على دَفّة الحُكم .
وقالت كاتبة المقال صوفيا غودفريند: "إن الغارات بالطائرات المُسيرة على المدن الفلسطينية الكبرى ومخيمات اللاجئين في الضفة الفلسطينية المحتلة، أصبحت حدثاً أسبوعياً".
وذكرت الكاتبة أن جيش الاحتلال صَعد الأمر في أيلول الماضي للعام 2022، وأمر بإطلاق اليد في استخدام الطائرات المُسيرة عنوانا لعمليات الجيش في الضفة المحتلة، رغم نفي وزارة الحرب لهذا التوجه.
وأضافت أن هذا التصعيد لحرب المُسيرات "هو نتيجة التحولات الديموغرافية التي مكنت المستوطنين من التأثير في الإستراتيجية العسكرية".
وتؤكد وثائق جيش العدو وأجهزته الأمنية، أنه منذ عام 2010، استخدمت حركة المستوطنين اليمينية مُسيرات استطلاع لمراقبة المجتمعات الفلسطينية لترهيبها، والآن يتبوأ قادة هذه الحركة مناصب وزارية بارزة في الحكومة الإرهابية الجديدة، بل وجاء ذلك في تصريحات علنية لشن حرب على الشعب الفلسطيني حيث كان، ودعوا الجيش إلى استخدام المُسيرات المسلحة لإلقاء القنابل على القرى والمخيمات والمدن الفلسطينية، واستئناف الاغتيالات للقادة والنشطاء في الضفة وقطاع غزة، الذي توسع فيه استخدام الطائرات المُسيرة، الذي أصبح سِمَةً مميزة للاستراتيجية العدوانية، بعدما سُمي بــ"فك الارتباط" في عام 2005 حين فرضت المقاومة اندحاراً مُذِلاً غير مسبوق لجيش الاحتلال من قطاع غزة من طرف واحد، ودون شروط، وقد كان البائد أرئيل شارون رئيس الوزراء السابق يُردد دون كلل أن مستوطنة "نتساريم" بأهيمة (تل أبيب)، وقد اعترفت "المستوطنة" باستخدام الطائرات المُسيرة العام الماضي 2022 لضرب أكثر من 170 هدفاً.
وقالت تقارير العدو العسكرية والتحقيقات الصحفية إن القصف الجوي المنتظم فقط بالطائرات المُسيرة على قطاع غزة، قد أسفر عن استشهاد المئات، بمن فيهم نساء وأطفال، بزعم أنه تم تحديدهم أنهم "نشطاء"، ويقول الأطباء إن العديد من سكان غزة يعانون الآن صدمَة "القلق الاستباقي"، ويتساءلون عما إذا كانت المُسيرات التي تَطنّ فوق رؤوسهم ستضربهم وتقتلهم.
وتضيف التقارير أنه خلال معارك "سيف القدس" في أيار 2021، وعدوان آب 2022، قامت أسراب من المُسيرات المسلحة بضرب مدينة غزة تعمل بالذكاء الاصطناعي.
وتشير الوقائع وبعد فوز اليمين الديني إلى أن الاعتداءات الوحشية وعمليات الإعدام الميدانية ستتسع من خلال عمليات القنص الأرضية والجوية، وهي الوجه الحقيقي للاحتلال الذي كان ولم يزل في الضفة والقدس وغزة طوال الوقت.
ويمكن القول إنه ومنذ معركة "سيف القدس" حضور سيناريو الحرب المتعددة الجبهات بات حاضراً في وعي وإستراتيجية العدو العسكرية التي تنعكس كما نرى في مناوراته العسكرية التي تمتد لتغطي جميع الجبهات؛ تلك التي تتكرر على جبهة الشمال في مواجهة "حزب الله"، وكذلك على السلك الزائل مع قطاع غزة، وتلك التي تتجاوز هذا على طول غور الأردن نحو سوريا والعراق وحتى أراضي الجمهورية الإسلامية في إيران.
لقد تغير شكل المواجهات العسكرية تدريجياً، وباتت تعتمد على أساليب وتقنيات وأسلحة جديدة كاسرة للتوازن، أسلحة من شأنها تجاوز التفوق التقني والتسليحي للأعداء.
وعلى هذا الصعيد، يمكن التأكيد أن المُسيرات تحضُرُ هنا بصفتها واحدة من أهم المخاطر التي تعدها (تل أبيب) تهديداً قاتلاً، فهي في الوقت الذي تعتمد فيه المُسيرات بأنواعها قاعدة مهمة ومركزية لعدواناتها، فهي أيضاً تخشاها، خاصة أنها -وما يقول قادتها- ستغطي مساحة فلسطين المحتلة وبالآلاف ومن اتجاهات متعددة وبمهام مختلفة، ودون أن تتمكن دفاعاتها من التقاطها براداراتها، خاصة أن بنك الأهداف لدى محور المقاومة الممتد زاخر بمواقع حساسة وإستراتيجية يشكل ضربها -وهو ممكن تماماً- مَسّاً بقدرات كيان المستوطنين الإستراتيجية، وبقدرته على الاستمرار إذا استطالت المعارك. ويشي تطور الأحداث، وما يرافقها من تطور للأسلحة، وما حققته المقاومة من مراكمة لنقاط القوة، وفرض لمعادلات الاشتباك وتآكل لقدرات الردع، وتوازن الرعب مع العدو، بأن محور المقاومة يتحَوّل من الدفاع الإستراتيجي إلى الهجوم الإستراتيجي، فمن غير المعلوم أن أي عدوان على المقاومة في غزة أو في لبنان، أن القتال سيبقى لبنانياً أو فلسطينياً مع (تل أبيب)، وأن تدحرج كرة اللهب قد تتسع معه ساحة المواجهة لتشمل الإقليم برمته.
لقد قال ذلك جميع قادة فصائل المقاومة بأن "المس بالمسجد الأقصى والمقدسات لن يقف عند حدود مقاومة غزة، وأن المعادلة يجب أن تصل إلى القدس في مقابل حرب إقليمية".