الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني بتشريده من وطنه، وتحويل أكثر من نصفه إلى لاجئين في الداخل والشتات، والاستيلاء بالقوة على أراضيهم وممتلكاتهم، وإنشاء المستوطنات عليها، وجلب اليهود من أصقاع العالم إلى فلسطين بعد ارتكاب العصابات الصهيونية وجيش الاحتلال أبشع المجازر التي عرفها العصر الحديث بحق الشعب الفلسطيني، ما يزال هذا الظلم واقعًا عليه بحرمانه من حقوقه المشروعة، وكان السبب الرئيس في ذلك قرار الجمعية العامة الظالم 181 عام 1947، الذي قسّم فلسطين، وأعطى من لا يملك لمن لا يستحق، وقد تمادت الجمعية العامة في هذا الظلم على الفلسطينيين، حين سمحت بتنفيذه من طرف واحد من العصابات الصهيونية بإعلان كيانهم (إسرائيل)، على حساب حقوق الشعب الفلسطيني.
الجمعية العامة تكيل بمكيالين فهي تتعامل مع القضايا الدولية بأقصى درجات المهنية باستثناء القضية الفلسطينية، لإنصياعها إلى الإدارة الأمريكية بمحاباة (إسرائيل)، حتى أصبحت دولة مارقة فوق القانون الدولي، فكم مرة أدانها المجتمع الدولي على جرائمها بحق الشعب الفلسطيني بما يتعلق بالحروب التي شنتها على قطاع غزة وما خلفته من دمارٍ وإزهاق الأرواح؟ وكم مرة أصدر مجلس الأمن الدولي قرارات ضد الاستيطان والجدار ولم تنفذ أي منها، حتى ولو كانت مصدرها محكمة العدل الدولية أو محكمة الجنايات؟ والسؤال الأهم هو، لماذا تطلب الجمعية العامة استشارة القضاء الدولي في المسائل المتعلقة بالاحتلال الإسرائيلي، ما دامت تعدها غير ملزمة، وما الفائدة منها إذا لم تعمل على تطبيقها، على الأقل بفرض عقوبات دولية على الإحتلال، تكون مثيلة للعقوبات المفروضة على روسيا فيما يتعلق بالأزمة الروسية الأوكرانية.
تذكرنا فتوى محكمة العدل الدولية لتجريم الاحتلال الاسرائيلي، بعام 2004 عندما أصدرت فتوى بعدم قانونية جدار الفصل العنصري الذي أنشأته سلطات الاحتلال في الضفة الغربية، وقد عدته الجمعية العامة غير ملزم، وقد أسدل الستار على الجدار، فإذا كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة، هي التي شرعت في تقسيم فلسطين، ودعت إلى تنفيذه ولو من طرف واحد، وقد استغل الصهاينة هذا القرار، وأعلنوا كيانهم الصهيوني، على الرغم من الرفض العربي للقرار غير المنصف للفلسطينيين، وفي المقابل فهي لم تنفذ أيًا من قرارات المجتمع الدولي الخاصة بفلسطين، أو ضد الاحتلال الاسرائيلي، فها هي قد حصلت على حكم دولي من محكمة العدل الدولية لتجريم الاحتلال الاسرائيلي، فهل ستنفذ هذا القرار بالقوة كما فعلت من قبل بتنفيذ قرارها المشؤوم بتقسيم فلسطين؟
المهم في الموضوع، كيف نجبر المنظمة الدولية والمجتمع الدولي بصفة عامة بالضغط على الاحتلال، وتنفيذ القرارات الدولية؟ أوجزها بخطوتين :
الخطوة الأولى: تتمثل في خوض معركة طويلة النفس على المستوى الدولي بتفعيل وتنشيط الدبلوماسية الفلسطينية والعربية والإسلامية والدول الصديقة، باستثمار هذا الإنجاز، وتشكيل لوبي ضاغط على الجمعية العامة لمتابعة الآليات العملية التي تسهم في تنفيذه في أروقة مجلس الأمن الدولي، وعدم التوقف عند حدود صدور الفتوى من محكمة العدل الدولية، كما حصل بالنسبة لفتوتها السابقة بتجريم جدار الفصل العنصري، إذ لم يستثمر هذا الإنجاز بالقدر الكافي لنصرة القضية الفلسطينية وكل مكوناتها على رأسها حق العودة للاجئين الفلسطينيين، ووقف اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى، ونصرة قضية الأسرى في سجون ومعتقلات الإحتلال الإسرائيلي، ورفع الحصار كليًا عن غزة ونابلس وجنين.
الخطوة الثانية وهي الأهم: تكون على المستوى المحلي (الجانب الفلسطيني)، وتتمثل في تعزيز الجهد الدبلوماسي والقانوني والدولي، بإستراتيجية نضالية موحدة، تعتمد أشكال النضال باستعادة الوحدة الوطنية، وتحقيق المصالحة بتنفيذ اتفاق الجزائر، الذي نص على خوض إصلاحات للمؤسسات الفلسطينية الرسمية في مقدمتها منظمة التحرير والمجلسَين الوطني والتشريعي، وإجراء انتخابات شاملة، وتشكيل حكومة فلسطينية منتخبة تضع مصالح الشعب الفلسطيني نصب أعينها.