فلسطين أون لاين

هل يتفجر الوضع الداخلي في الكيان الإسرائيلي؟ ( 1-2)

يظهر أن تشكيل الحكومة الإسرائيلية الأكثر تطرفاً دينياً ويمينياً في تاريخ الكيان الصهيوني بقيادة بنيامين نتنياهو قد أحدث ردود فعل غير مسبوقة في المجتمع الصهيوني؛ لدرجة أن قادة صهاينة سياسيين وعسكريين كبارا دعوا إلى أشكال مختلفة من الاحتجاج لإسقاط الحكومة، كالمظاهرات، والانتفاضة المدنية، والتمرد على أوامر الحكومة، بمن في ذلك إيهود باراك، وموشيه يعلون، ودان حالوتس، وعاموس جلعاد، ويائير جولان، ويوفال ديسكين، وأفيجدور ليبرمان.. وغيرهم.

وعلى سبيل المثال، فقد دعا رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق ورئيس الوزراء السابق، إيهود باراك، إلى التمرد وإغلاق الشوارع والعصيان المدني للوقوف "ضد سرقة الديمقراطية". أما موشيه يعلون الذي كان رئيساً للأركان ووزيراً للجيش ووزيراً للشؤون الاستراتيجية، فقال إن "(إسرائيل) تواجه انقلاباً وتشهد نشوء تحالف إجرامي، يطمح لتشكيل حكومة إجرامية لتغيير النظام في (إسرائيل)"؛ في حين تعهد رئيس الحكومة السابق لابيد، ووزير الجيش ورئيس الأركان السابق بيني جانتس، وأفيجدور ليبرمان الذي تولى عدة مناصب وزارية، ورئيسة حزب العمل والوزيرة السابقة ميراف ميخائيلي، بأن يقاتلوا معاً "ضدّ الحكومة المُظلِمة، التي ستمزق (إسرائيل) من الداخل". بل إن بيني جانتس حذر من "حرب أهلية".

من جهة أخرى، خرج عشرات الآلاف من المتظاهرين في (تل أبيب) وغيرها منددين بالحكومة وسياساتها، وداعين إلى إسقاطها، كما تواصلت الدعوات إلى استمرار الاحتجاجات والمظاهرات. ووصل الأمر ببعض المعارضين إلى محاولة تنظيم هجرة جماعية خارج الكيان الإسرائيلي.

الاختلاف والتنازع السياسي والصراع على المناصب، وكذلك كثرة إنشاء الأحزاب ودمجها وتفككها وإعادة تشكيلها، هو جزء من تركيبة الكيان الإسرائيلي منذ إنشائه، غير أن القادة الصهاينة كانوا عادة قادرين على استيعاب بعضهم وإدارة خلافاتهم في منظومة مرنة، تراعي المصالح العليا للمشروع الصهيوني. لكن الكيان الإسرائيلي يشهد منذ نحو أربع سنوات حالة من اللا استقرار السياسي حيث عُقدت الانتخابات خمس مرات، بينما بلغت درجة التصعيد ضدّ الحكومة الجديدة مدى غير مسبوق في الكيان.

لا يعود سبب التصعيد الجوهري في كون الحكومة حكومة يمينية، إذ إن الاتجاه اليميني غلب على السياسة الإسرائيلية معظم الفترة منذ فوز الليكود بالانتخابات سنة 1977، أي منذ 46 عاماً، كما أن المجتمع الصهيوني أصبح في مجمله أكثر يمينية في السنوات العشرين الماضية، وأصبح التنافس عملياً لقيادة الحكومة بين قوى اليمين نفسها، مع تلاشي قوى اليسار، بل وتبنّت قوى اليسار نفسها العديد من طروحات اليمين. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن نحو ثلثي الإسرائيليين (66 في المئة) يُعرّفون أنفسهم كيمين.

ولكن العقدة تكمن في صعود قوى يمينية في أقصى التطرف الديني والقومي، وتحديداً الصهيونية الدينية؛ وهي قوى صهيونية "حركية" غير معنية فقط بالشراكة الحكومية؛ وإنما بحسم هوية الكيان الإسرائيلي ومساراته الكبرى، خصوصاً في قضايا حساسة كان يتم عادة تجاوزها أو القفز عنها من خلال بعض الصفقات والتوافقات؛ وهي قضايا مرتبطة بالعلاقة بين الدين والدولة وتنزيل تطبيق التوراة على الحياة اليومية للمجتمع، وبالتشدّد في تعريف اليهودي بحيث يخرج مئات الآلاف من الإسرائيليين من الاعتراف بكونهم يهوداً، وفيما يتعلق بشأن حسم الصراع مع الفلسطينيين والسيطرة على الأقصى والقدس والضفة الغربية، وحتى عدم المبالاة بسقوط السلطة الفلسطينية وانهيار ما تبقى من "أوهام" وشكليات بشأن مسار التسوية و"حلّ الدولتين".

وينطبق ذلك، على نجاح هذه الأحزاب في تولي مناصب وزارية محددة تخدم مباشرة برنامجها وقدرتها على تنفيذه على الأرض، بما في ذلك السيطرة على الشرطة وبرامج الاستيطان وإدارة الضفة الغربية والتعليم، والتدخّل في عمل الجيش، والتأثير في السياسات الإعلامية، والهيمنة على جهاز القضاء.

ويساعد الحكومة في تطبيق برنامجها أنها تملك لأول مرة منذ سنوات أغلبية معقولة في الكنيست تستطيع بها أن تمرر برامجها (64 مقعداً).

ولذلك، فإن جوهر القلق مرتبط بمحاولة هذه القوى "هندسة" المجتمع و"الدولة" وفق رؤيتهم المتطرفة، حيث يرى المعارضون أن هذا قد يجر المنظومة الصهيونية إلى صراعٍ داخلي وعزلة خارجية؛ تضرّ بالكيان وتُفسد الصورة التي حاول رسمها عن نفسه طوال 75 عاماً، وتكشف وجهه القبيح والبشع دون "مكياج ومواد تجميل"، بينما ترى الصهيونية الدينية أن مخاوف هؤلاء غير حقيقية، وأن (إسرائيل) بنفوذها العالمي لم تعد بحاجة لاسترضاء أحد، وأن التجربة أثبتت أن ردود الفعل العربية والدولية لا قيمة لها، وأنه على الصهاينة أن ينسجموا تماماً مع دينهم وجوهر مشروعهم.

 

المصدر / عربي ٢١