قرّرت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 30 كانون الأول/ ديسمبر 2022 التوجّه إلى محكمة العدل الدولية بطلب تقديم وجهة نظرها القانونية بشأن التداعيات القانونية الناجمة عن خرق (إسرائيل) المستمر حقّ الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، والاحتلال المستمر لأراضي 1967، والمستوطنات، والضم، بالإضافة إلى الخطوات الإسرائيلية التي تهدف إلى تغيير التركيبة الديموغرافية للقدس وشكلها ومكانتها وتبنّي قوانين وخطوات عنصرية في هذا السياق. وردت (إسرائيل) على القرار، بإقرار الكنيست يوم 9 كانون الثاني/ يناير الحالي مشروع قانون تمديد العمل بأنظمة الطوارئ التي تطبّق القانون الإسرائيلي على أراضي الضفة الغربية، والمعروف باسم قانون الأبارتهايد، بالقراءة الأولى.
ووضعت أنظمة الطوارئ في الضفة الغربية لأوّل مرة في عام 1967، ويجري تمديدها مرّة كلّ خمسة أعوام، سعيًا لتحقيق عدة أهداف، في مقدمها تنظيم العلاقة بين المستوطنين (وهم بحسب تعريفهم القانوني "مواطنون إسرائيليون يعيشون خارج الحدود الرسمية لـ(إسرائيل)" والقوانين الإسرائيلية.
ويبقى الأهم في كلّ هذه الوقائع أنّ التصويت على مشروع قانون تمديد العمل بتلك الأنظمة أثبت، بكلّ جلاء، أنّ التمسّك باحتلال 67 عابر للأحزاب الإسرائيلية كافة، بالرغم من اختلافها الحالي في كلّ ما يتعلق بالإجراءات التي تخطّط الحكومة الحالية لاتخاذها بغية القضاء على القضاء. فإلى جانب الأحزاب الشريكة في الائتلاف الحكومي الحالي من اليمين المتطرّف القوميّ والدينيّ، أيّدت مشروع القانون جميع الأحزاب في المعارضة باستثناء الأحزاب العربية وحزب العمل. وهذا الأخير سوّغ معارضته لا بدافع قيمة أخلاقية، وإنما بسبب وجود وزير من تيار الصهيونية الدينية في وزارة الجيش مسؤول عن أراضي 1967، ما قد يعزّز نزعات ضمّ هذه الأراضي، ويضاعف التهديد لطابع (إسرائيل) "دولة يهودية من ناحية ديموغرافية".
في هذا الشأن، لا بدّ من التذكير بأنّ الحكومة الإسرائيلية السابقة، التي كان ائتلافها يضم حزبًا عربيًا وحزب ميرتس، المحسوب على أقصى "اليسار الصهيوني"، حاولت تمديد أنظمة الطوارئ هذه، ولكن محاولتها باءت بالفشل. وعلى خلفية ذلك، قرّر رئيسها، نفتالي بينت، حلّ الحكومة نظرًا إلى أن من شأن مثل هذه الخطوة أن تؤدّي إلى ذلك التمديد على نحو أوتوماتيكي، قبل أن ينتهي سريان مفعول تلك الأنظمة. بكلمات أخرى، أنهت تلك الحكومة ولايتها بإعلان نوايا صريح أنها متمسكة بالأراضي المحتلة منذ 1967 حتى ولو بثمن الذهاب عن سبق إصرار نحو انتخابات مبكرة قد لا تضمن بقاءها.
في واقع الأمر، يقرّ مزيدٌ من الإسرائيليين يومًا بعد آخر أنّ جانبًا من تحصيل حاصل تجربة الحكومة السابقة وملامح الحكومة الحالية أنه ما عاد ممكنًا، اعتبارًا من الآن، إخفاء حقيقة أنّ (إسرائيل) هي دولة عنصرية، وأن أغلبية مجتمعها تؤيد نظام الفصل العنصري في الأراضي المحتلة منذ 1967.
ففي الحكومة الراهنة، لن يكون من يحاول إخفاء ذلك، كما فعل يئير لبيد وبيني غانتس في الحكومة السابقة. كما يشدّد بعضهم على أن كثيرين من أولئك الذين يعربون الآن عن قلقهم حيال وضع جهاز القضاء والمساواة بين الإسرائيليين ومجموعة من القضايا الأُخرى التي على وشك أن تتغيّر جذريًا، هم أنفسهم الذين تجاهلوا الفلسطينيين وممارسات (إسرائيل) في أراضي 67، في وقت أصبح من الصعب الحفاظ على الاحتلال والسيطرة عسكريًا على ملايين الفلسطينيين، والمحافظة بموازاة ذلك على "ديمقراطية ليبرالية" لم تكن كذلك أصلًا. وبقدر ما إنّ الصعود السريع لسياسيٍّ فاشيٍّ مثل إيتمار بن غفير، أحد مستوطني كريات أربع، الذي يؤمن بتعاليم مئير كهانا ويمتدح الحاخامين العنصريين، أوضح الهوية السياسية لـ(إسرائيل) الآن فقد كان بمثابة الردّ على من يُسمون "وسطيين"، أمثال لبيد ظنَّوا أنّ من الممكن الاستمتاع بالحياة في (تل أبيب)، والاستمرار في الاحتلال ونظام الأبارتهايد.