داخل مساحة ضيقة تبدو مغارة داخل إحدى الجبال، تعرض فاطمة النواجعة العديد من المشغولات اليدوية والأطعمة الفلسطينية التي صنعتها نساء قرية سوسيا شرقي الخليل.
يفتح معرض سوسيا الأثرية أبوابه على مدار العام منذ عام 2000، مقاومًا بالرمزيات التي تحملها معروضاتها من الحقائب والأثواب والأطعمة التراثية ما تتعرض له القرية من تهجير.
وسوسيا هي إحدى قرى مسافر يطا، جنوبي الخليل، التي اقتلعت سلطات الاحتلال 600 منها سكانها، صيف عام 1985، وهجرتهم إلى أرضٍ قريبة، أقاموا عليها القرية ومنحوها الاسم نفسه، سوسيا الجديدة، واليوم تواصل قوات الاحتلال الاعتداء والتضييق بمشاركة مستوطنيه.
وتوضح فاطمة، وهي مدير جمعية نساء الريف، أن القرية تعرضت للهدم مرات عدة، وتم السطو على آثارها، وأسكنوا فيها مستوطنين بعدما كان يسكنها نحو مئة عائلة تعرضوا للتهجير القسري، "وها نحن اليوم نعيش مرارة التهجير مجددا يوميًّا"، مشيرة إلى أن نحو 500 متر تفصل بين القريتين.
إصرار على البقاء
وتؤكد أن المشغولات التي تصنعها نساء سوسيا بمشاركة نسوة من القرى المجاورة تتجاوز إحياء التراث، "بل هي مواجهة لعمليات سرقة منظمة ينفذها المستوطنون بتقليد كل ما تشتغله نساء سوسيا".
أحد المواقف التي عاشتها فاطمة داخل قريتها، قيام بعض المستوطنين بتصميم ختم يحمل اسم "سوسيا"، وطلبوا من صانع فخار أن صنع فخاريات وتعتيقها وختمها، من أجل عرضها داخل القرية التي احتلوها على أنها من تراث يهودي، وذلك ناهيك بأدوات الفلاحة القديمة التي سطوا عليها.
تقول: "أردت دعم صمود نساء القرية فبدأنا المعرض بعدد قليل مشغولات ومنتجات نساء سوسيا، ومن ثم تطورت وتوسعت الفكرة شيئًا فشيئًا. اليوم تشارك 30 سيدة بعرض منتجات التطريز والمأكولات التراثية من عدد من القرى المجاورة".
وعلى مدخل المغارة كتبت فاطمة اسم المعرض باللغتين العربية والانجليزية، بعدما بات مزارًا للسياح.
وتتدلى من سقفها الحقائب المطرزة بالتطريز الفلاحي الخليلي، وبعض الأوشحة، والإكسسوارات المزينة بالغرزة الفلسطينية.
كما يضم المعرض العديد من الأقفاص التي وضع بداخلها زجاجات زيت الزيتون، وجرار العسل، ودبس العنب، والعنبية، والزعتر، واللبن، والجبنة، ودبس البندورة، وبعض المأكولات التراثية كالمفتول، والتي صنعتها نساء القرية والقرى المجاورة من خيرات أراضيهن الزراعية.
وعن الهدف من إقامة المعرض، تشدد فاطمة على تعزيز صمود نساء قرى منطقة (ج) من خلال توصيل رسالتهن للعالم والتي تعبّر عن وجودهن وأحقيتهن بأرضهن، وتراثهن وثقافتهن من خلال أشغالهن اليدوية.
وتضيف أن المعرض يحافظ على التراث والهوية الفلسطينية، في ظل صعوبة التنقل وافتقار القرية للبنية التحتية.
وتلفت فاطمة إلى أن المعرض تعرض للمداهمة مرات عديدة، وطال المعروضات التخريب، "وفي كل مرة كان أهالي القرية يعيدون ترميمه وتنظيفه وافتتاحه من جديد".
ويتعرض سكان قرية سوسيا إلى اعتداءات يومية متكررة من جنود الاحتلال والمستوطنين.
وتؤكد فاطمة أن التحديات التي يواجهها أهل القرية يوميا كالهدم، والتهجير، والاعتقالات، والاعتداء على الأطفال أثناء الذهاب والإياب من المدارس، والنساء اللاتي يعملن في رعي الأغنام، إضافة إلى حرق المحاصيل الزراعية، لن تثنيهم عن مواصلة العيش على أرض سوسيا أو تركها للمستوطنين.
وتدلل على ارتباطها بالأرض بالقول: "ارتباطنا بهذه الأرض لأننا ولدنا وتربينا فيها. كنت أسير خمسة كيلومترات ذهابًا وإيابًا للمدرسة في يطا، حصدنا ثمارها في صمودنا، ومجبورون أن نكون في وطننا، فالاحتلال هو من عليه أن يرحل، ومضطرين أن نعيش بأبسط وأصعب ظروف الحياة اليومية حفاظا على أراضينا وثقافتنا وتعزيز صمودنا ووجودنا كبشر".
سلسلة هجمات
ويبين رئيس المجلس القروي لمسافر يطا، نضال يونس، أن الاحتلال الاسرائيلي أنشأ على أرض القرية الأثرية مستوطنة سوسيا عام 1983، ومساحتها قرابة 800 دونم تسكنها اليوم ثلاث عائلات من المستوطنين فقط.
ويوضح أن سوسيا "القديمة" تضم آثارًا من عصور إسلامية عدة، ويدّعي الاحتلال وجود كنيسٍ يهوديٍ تاريخي فيها، لكنّ أهالي القرية يؤكدون أنّ ما في داخل الموقع محراب وآثار مسجد، مشيرًا إلى أن الاحتلال نصّب الاحتلال فريقاً "سياحياً" من المستوطنة لإدارة شؤون القرية الأثرية، وما يُجنى من رسوم يذهب لصالح المستوطنة.
ويقول يونس: إن سكان سوسيا تعرضوا منذ عام 1993 لسلسلة هجمات ترحيل من سوسيا الجديدة، بلغت ذروتها عام 2001 حين دمّر الاحتلال سوسيا الجديدة بالكامل، كما حرم سكانها من 16 بئر مياه للزراعة والرعي من أصل 28 بئرًا، ليعيد السكان بناء قريتهم الجديدة على مساحة 1500 دونم، بواقع 120 منزلاً ومُنشأة أغلبها للزراعة أو حظائر للمواشي. ولم يترك الاحتلال والمستوطنون سكان سوسيا وشأنهم.
ويؤكد أن سوسيا صامدة إلى اليوم وستبقى ثابتة، وهي جزءٌ مهمٌ من مسافر يطا، خصوصاً أنّ الاحتلال يعتبر السيطرة على سوسيا نقطة تحول إستراتيجي، لأنّ ذلك يعني منع التمدد العمراني الذي يخشاه لسكان المنطقة الجنوبية الشرقية لمدينة يطا باتجاه سوسيا.