فلسطين أون لاين

تقرير باستشهاد "قوقاس" توقَّف الزمن واحتضان الجثمان مُحركه

...
الشهيد عبد الرحمن قوقاس
الخليل-غزة/ مريم الشوبكي:

عبر اتصال من ضابط مخابرات الاحتلال علِم عبد الرحمن قوقاس أن ابنه عاهد قتله جنود الاحتلال عن سبق إصرار وترصد، في الخامس من يناير/ كانون الثاني 2021م، سأله عن الجثمان فكانت الإجابة أنه لن يحصل عليه بذرائع "أمنية"، وهي الإجابة ذاتها التي يحصل عليها في كل مرَّة يُفتح فيها ملف القضية أمام محكمة الاحتلال العليا.

حفر قوقاس من بلدة بيت أمر شمال مدينة الخليل قبرًا لابنه بعد أسبوع واحد من استشهاده، على أمل إفراج الاحتلال عن جثمانه، لم تمضِ ستة أشهر حتى ودَّعت البلدة شهيدًا آخر هو شوكت عوض، الذي سُلم إلى أهله لكي يوارى في الثرى، في حين بقيت حسرة الوداع في قلب عبد الرحمن بانتظار احتضان نجله.

الجرح مفتوح

برع عاهد (26عامًا) في صناعة الحلويات، فافتتح له محلًا باسم أسوار القدس قبل عام من استشهاده، ولكن فرحته بنجاحات مشروعه لم تكتمل، إذ اغتاله الاحتلال بعد تسعة أيام من احتفاله بالذكرى الأولى لافتتاحه.

قبل أيام طوى عبد الرحمن العام الثاني على استشهاد عاهد، وما يزال يعدُّ الحدث مجرد خبر لأنه لم يُلقِ نظرة الوداع على ابنه الأكبر، ولم يتسنَّ لهما إتمام آخر حديث بينهما، يقول: إنه حتى اليوم لديه شكوك حول ما حدث مع "عاهد".

يقول لـ"فلسطين": "الجرح ما زال مفتوحًا، باستمرار احتجاز جثمان عاهد فلا فرحة تكتمل ولا حزن ينتهي، لا نطلب المستحيل، وكل ما نطلبه أن نتسلم الجثمان، لكي ندفنه وفق الشريعة الإسلامية، وإجراء مراسم العزاء".

ويضيف: "دفن العائلات للشهداء يريحهم، فعلى الأقل يستطيعون زيارة القبور في المناسبات المختلفة، وهذه أدنى الحقوق لنا، ولكنها أيضًا منتهكة".

ويتابع عبد الرحمن بوجع: "أشعر بأن الزمن توقف منذ لحظة استشهاد عاهد عند الثالثة عصر ذلك اليوم، كل هذا الوقت يمر بألم وقهر، ومع الذكرى الثانية لاستشهاده يزداد الجرح ألمًا".

ومع كل خبر تتداوله وسائل الإعلام عن إفراج سلطات الاحتلال عن جثامين شهداء محتجزة، يتجدد الألم في قلب والدي عاهد، ويبدأ بعد أيام الانتظار من جديد".

يقول عبد الرحمن: "سياسة الاحتلال ليست مفهومة، لا نعلم كيف يتعاملون مع ملف جثامين الشهداء، وهدفهم الوحيد تعذيب عائلاتهم نفسيًّا".

ولا يترك الوالد أي اعتصام أو وقفة تضامنية لمطالبة الاحتلال الإسرائيلي بالإفراج عن جثامين الشهداء المحتجزة لديه في محافظات الضفة الغربية، مطالبًا المؤسسات الحقوقية الفلسطينية، والمؤسسات الدولية العاملة على الساحة الفلسطينية بتفعيل دورها في وقف خرق الاحتلال الإسرائيلي للقانون الدولي باستمرار احتجاز الجثامين.

إخفاء الحقيقة

أما والدته التي تُخرج كلماتها بصعوبة مع تنهيدة تصف مقدار الألم الدفين داخلها، فلا تصدِّق حتى اليوم أن نجلها الأكبر عاهد قد استشهد، وتتمنى عودة تلك الأيام التي يأتيها ماشيًا على قدميه ويمازحها ويُقبِّل يديها كل يوم.

تقول أم عاهد لـ"فلسطين": "لا نعرف ما حدث مع عاهد، لا يوجد إلا الرواية الإسرائيلية، والرواية الفلسطينية مفقودة، ويرفض الاحتلال حتى اليوم إظهار أو نشر فيديو وقت استشهاد ابني، وهذا يدل على أنه يريد إخفاء الحقيقة، وأن عاهد قد قتله الاحتلال ظلمًا".

وتتابع: "إن رفض الاحتلال إلقاء نظرة على جثمان ابني، أو تحديد وقت الإفراج عن الجثمان، يعني أن الزمن قد يطول، وربما يصل إلى عشرات السنوات، فما يزال يحتجز جثامين بعض الشهداء في مقابر الأرقام منذ عقود".

وتلفت والدة عاهد إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يرفض منح عائلات الشهداء شهادة ارتقاء أبنائهم، وبالتالي كل معاملاتهم موقوفه لأن استشهادهم غير مثبت.

وتطالب الأم المكلومة السلطة الفلسطينية بتشكيل لجان قانونية لمتابعة القضية، ومساعدة عائلات الشهداء المحتجزة جثامينهم، ولا سيما أن مخصصاتهم غير مُقرة، وهذا بحد ذاته مُعاناة كبيرة خصوصًا إذا كانوا معيلي العائلة، وبغيابهم تتدهور أحوال عائلاتهم.