فلسطين أون لاين

الجعاجيل الخليلية.. أصول المهنة كما ترويها الحاجة "دعيس"

...
الجعاجيل الخليلية.. أصول المهنة كما ترويها الحاجة "دعيس"
الخليل-غزة/ مريم الشوبكي:

تجلس سارة دعيس على الأرض، تدحرج كرات الجميد التي كورتها حفيدتها على صينية من "الستانلس ستيل" حتى تصبح مخروطية الشكل، ومن ثم ترصها على قطعة قماشية بيضاء كبيرة لتجف تحت أشعة الشمس.

يبدو لون تلك الكرات أو المكعبات تبعًا للشكل الذي انتهت إليه، أبيض وأحيانًا مائلًا للصفرة، إذ تضيف إليه الحاجة دعيس العصفر والحلبة ليمنحاه طعمًا مميزًا يفضله البعض.

تمر "جعاجيل" الجميد بعدة مراحل تستمر لعدة أيام قبل أن تصبح جاهزة للبيع، تبدأُها الحاجة دعيس (68 عامًا) مع ساعات صباح يوم مشمس بحَلْب الأغنام في مزرعتها في قرية بيت عمرة جنوب محافظة الخليل في الضفة المحتلة.

في الوقت ذاته تكون بناتها وزوجات أبنائها وحفيداتها قد أعددن غرفة في المزرعة، لمشاركتها في عمليات التصنيع. 

تفرِّغ إحداهنّ اللبن من الخرائط وهي أكياس قماشية يوضع فيها الحليب ليومين أو ثلاثة، تغلق وتوضع بين حجرين مناسبين لتصفية "الميص" من اللبن، إذ يكون قد جمد وتحول قوامه إلى لبنة.

تتولى زوجات الأبناء عجنه ليصبح قوامه أملس، على حين تتحضر الحفيدات لتكويره بأكفهن، ومن ثم يأتي دور جدتهنّ في "جعجلته" وتشكيله مخروطيًّا.

مهنة متوارثة

وتعلمت دعيس أصول مهنة تصنيع الجميد من والدتها، وهي اليوم تؤدي الدور نفسه بتوريث المهنة بناتِها وأولادَها وأحفادها، فجميعهم يعملون معها في عملية التصنيع التقليدية التي لا تزال تحافظ عليها منذ عقود.

وتوضح أنّ صناعة الجميد تعتمد على حليب الأغنام أساسًا، ويدخل بعد حلبه عدة مراحل، قبل الشروع في تصنيعه، إذ يُغلى الحليب وتُضاف له الروبة ويُترك يومين أو ثلاثة حتى يصبح روبًا، ويعتمد ذلك على دفء الطقس.

وتتابع: "من ثم يُوضع اللبن الرائب في الخضاضات لفصل الزبدة عن الحليب التي أحولها سمنةً فيما بعد، ومن ثم أسكب اللبن في طناجر وأقفزه. بعد ذلك أضعه في خرائط وهي قطع قماشية بيضاء كالشاش تُعلَّق لعدة أيام حتى يتصافى منها كل الماء الذي نسميه النيص".

وتضيف دعيس: "بعدما يتحول إلى لبنة تُضاف كمية كبيرة من الملح وتُعجن بكل قوة، ومن ثم أقوم بجعجلته على شكلين، وفي هذه المرحلة نحلبنه بإضافة الحلبة والعصفر له بناء على ذوق الزبائن".

وتشير دعيس إلى أنّ "جعاجيل" اللبن المملحة توضع في الهواء الطلق، لكي تجف تحت أشعة الشمس حتى يُتخلّص من أيّ أثر للماء وهي مرحلة التنشيف التي تستغرق نحو 15 يومًا حسب حرارة الطقس.

وتُنبّه دعيس إلى أنّ نضج اللبن يستدل عليه ببدء خروج الملح الزائد منه، وهنا يصبح جاهزًا للبيع، وتسليمه للزبائن الذين حجزوا مسبقًا.

حضور على الموائد

وتحتاج صناعة الجميد إلى خبرة واسعة ومهارة في التصنيع، وتكون ذروة إنتاجه في فصل الربيع، وكلما كان اعتماد المواشي في طعامها على المراعي الطبيعية، كان الجميد الناتج أكثر جودة.

ويحظى لبن الجميد في الخليل بشعبية كبيرة، إذ لا تستغني عنه أغلب البيوت في مناسباتهم الاجتماعية السعيدة، إذ يشتهرون بصناعة المنسف وهي الأكلة الشعبية الأكثر شهرة فيها.

وتلفت دعيس إلى أنّ الجميد يدخل في كثير من الأكلات التراثية في الخليل كالمحشي، وفتة العجوز، والجريشة، والمنسف. والبعض يميل إلى تناوله على وجبة الإفطار كما هو مع كأس من الشاي.

ويحاول الاحتلال الإسرائيلي سرقة الأكلات التراثية والشعبية الفلسطينية ونسبها إليه على أنها تراث له، لذا تحرص عائلات دعيس كما العديد من العائلات الخليلية على المحافظة على تصنيع الجميد بالطريقة التقليدية كواجب وطني.

وتؤكد أنّ صناعة الجميد هي مهنة عائلتها الأساسية منذ عشرات السنوات، التي تمتهنها على مدار العام، ولا يمكنها التخلي عنها، ما حدث حتى لا تمنح الاحتلال فرصة لسرقتها.