شكل بنيامين نتنياهو نهاية الشهر الماضي الحكومة "الإسرائيلية" الأشد تطرفا منذ احتلال فلسطين عام 1948. تضم الحكومة اثنين من أشد السياسيين عنصرية وتطرفا، وهما إيتامار بن-غفير رئيس حزب "القوة اليهودية" وبيزائيل سموتريتش رئيس حزب الصهيونية الدينية.
يعتبر الوزيران المذكوران من مريدي الحاخام الراحل المتطرف مريدي، الذي منع حزبه من المشاركة في انتخابات الكنيسيت في ثمانينيات القرن الماضي، وصنف ضمن قائمة الجماعات الإرهابية في الولايات المتحدة.
يحمل الوزيران أيدولوجية بالغة التطرف، لدرجة بن-غفير يوصف بالرجل الأكثر انعداما للمسؤولية في الشرق الأوسط.
أما سموتريتش فهو سياسي فاشي اتهم بالإرهاب. رغم أنه ينفي هذه الاتهامات إلا أن أفكاره المتطرفة واضحة للعيان ولا يمكن إنكارها.
تعتبر سياسة "الترانسفير" التي تعني الضغط على الفلسطينيين للهجرة من بلادهم هي الفكرة الأكثر خطورة في أيديولوجيا الوزيرين المتطرفين. قال سموتريتش أثناء جلسة للكنيست عام 2021 إن "بن غوريون" كان يجب أن يكمل عمله" ويطرد كافة الفلسطينيين من فلسطين بعد حرب 1948.
وفي مناسبة أخرى، قال إن السياسيين العرب والمسلمين عموما الذين يحملون ما تسمى "الجنسية الإسرائيلية" ولا يعترفون بسلطة (إسرائيل) يجب أن يمنعوا من الإقامة فيها (أي في بلادهم وأرض أجدادهم). أما بن غفير فقد أكد في مقابلة متلفزة أن الحكومة يجب أن تؤسس وزارة للهجرة لتشجيع الفلسطينيين على مغادرة بلادهم (يعني طردهم)، إذا كانوا "يكرهون (إسرائيل) أو لا يؤمنون بها".
تتراجع "الأغلبية اليهودية" في فلسطين المحتلة سنويا منذ عام 2009، حيث كانت في ذلك العام تبلغ ثمانين بالمئة، بينما تزايدت نسبة الفلسطينيين تدريجيا خلال هذه الفترة.
يشكل هذا التغير الديمغرافي -على بساطته- قلقا كبيرا لليمين الإسرائيلي، ولكن القلق الأكبر بالنسبة لغالبية السياسيين الإسرائيليين هو التغير الديمغرافي في كامل فلسطين التاريخية، بما يشمل الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث تراجعت "الأغلبية اليهودية" لتساوي النصف تقريبا، بحسب الإيكونوميست ومكاتب الإحصاء الفلسطينية والإسرائيلية.
كانت مسألة التوزيع الديمغرافي في فلسطين التاريخية على الدوام مسألة جوهرية في السياسية الصهيونية، فهي تمثل بالنسبة للبعض معضلة لما يسمى "الديمقراطية" الإسرائيلية، لأن لا ديمقراطية حقيقية تمنع جزءا من الجمهور من حقهم الانتخابي/ الديمقراطي بناء على هويتهم أو جنسهم أو دينهم، وفي نفس الوقت فإن منح الفلسطينيين هذا الحق في كامل فلسطين التاريخية سيهدد ما يسمى "يهودية (إسرائيل)". لذلك، فإن ما يسمى "اليسار الإسرائيلي" يعتبر "مشروع الدولتين" الطريقة الوحيدة لحل هذه المعضلة، بينما يرفض اليمين وأقصى اليمين الذي يهيمن على السياسة الإسرائيلية منذ سنوات هذه الاستراتيجية، وهو ما يجعل فكرة "الترانسفير" للفلسطينيين من بلادهم أمرا هاما في النقاش السياسي اليوم في دولة الاحتلال.
وإذا كانت سياسة الطرد والتهجير تجاه الفلسطينيين ليست جديدة، فإن الجديد هو أنها أصبحت لا تقتصر عليهم، بل إنها امتدت مع تصاعد اليمين المتطرف لتشمل اليهود. يقول بن غفير إنه يريد طرد السياسيين اليهود الذين "لا يحملون الولاء لـ(إسرائيل)" إلى أوروبا. أما سموتريتش فإنه يحاول مع مجموعة أخرى من النواب المتدينين إلغاء "بند الأحفاد" من ما يسمى "قانون العودة" الإسرائيلي، الذي يعطي "الحق" المزعوم لليهود من الجيل الثالث للهجرة لفلسطين المحتلة.
وقال سموتريتش مؤخرا إن 70٪ من المهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي السابق خلال الأشهر الماضية ليسوا من اليهود، معتبرا ذلك خطرا كبيرا "على أغلبية الأمة اليهودية"، "قنبلة اليهود الموقوتة" التي يجب التعامل معها.
منعت دولة الاحتلال الفلسطينيين من حق العودة لوطنهم رغم القرارات الدولية التي تؤكد هذا الحق، في الوقت الذي أقرت ما تسميه "قانون العودة" لليهود منذ تهجير الفلسطينيين وإقامة دولة على أنقاضهم عام 1948. عارض الطيف السياسي الإسرائيلي بمجمله تاريخيا، بما في ذلك اليسار الصهيوني، حق العودة للفلسطينيين، وبالرغم من ذلك فإن بعضهم يتعرض اليوم لخطر الترحيل من دولة الفصل العنصري التي دعموها إذا نجحت استراتيجية اليمين المتطرف.
ثمة شيء وحيد يؤكده الواقع والتاريخ، وهو أن أي محاولة لترحيل الفلسطينيين من بلادهم لحل "المشكلة الديمغرافية" لن ينجح. فمن جهة، ظل الفلسطينيون جيلا بعد جيل لمدة سبعين عاما يحلمون بالعودة لبلادهم، ولا يزال كل بيت فلسطيني يحتوي على "مفتاح العودة" كرمز لهذا الحق، في المخيمات، والأردن، وسوريا، ولبنان، وفي كل أنحاء العالم. ومن جهة أخرى، فإن الدول العربية المجاورة لفلسطين لا يمكن أن تستقبل مزيدا من موجات اللجوء في ظل عدم استقرارها وظروفها الاقتصادية البائسة، إضافة إلى معاناتها أصلا من مشكلات سياسية تتعلق باللاجئين.
يقول الأكاديمي اليهودي المرموق آفي شالايم: إن "معاداة السامية ليست ظاهرة عربية.. إنها ظاهرة أوروبية. الصهيونية ليست ظاهرة شرقية، بل ظاهرة أوروبية؛ إنها حل لمشكلة اليهود في أوروبا (بعد ما يسمى الهولوكوست)". أراد الأوربيون حل "مشكلة اليهود" عبر إنشاء دولة الاحتلال في فلسطين، ولكنهم خلقوا بذلك مشكلة جديدة، هي "القضية الفلسطينية".
ولعل من سخرية التاريخ، أن "الكهانيين" في الحكومة الصهيونية الجديدة يريدون تصدير هذه المشكلة إلى أوروبا التي صنعت هذه المشكلة ابتداء. يبدو هذا التوجه واضحا في تصريحات بن غفير وسموتريتش، كما كانت في أيدولوجيا ملهمهما المتطرف البائد مائير كاهانا.
لن تستطيع الدول الأوربية قبول فكرة تهجير الفلسطينيين واستقبالهم خصوصا في ظل تصاعد اليمين المتطرف ومناهضة الهجرة في أوروبا. ولن تستطيع الدول العربية استقبال مزيد من المهاجرين للأسباب التي ذكرناها، ولن يقبل الفلسطينيون أصلا هجرة جديدة. ولذلك، ثمة حل وحيد للقضية الفلسطينية وهو عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم.