فلسطين أون لاين

معادلات التصفية الصامتـة

يحاول الاحتلال ممارسة التصفية الجسدية والمعنوية لعناصر المقاومة الفلسطينية والشخصيات الرسمية والوطنية في ميادين الاشتباك كافة، فقد مارس الاحتلال وأعوانه التصفية الصامتة والاغتيال الهادئ لعشرات الشخصيات الفلسطينية منها السياسية والعسكرية والفكرية، فقد قتلوا الرئيس الرمز أبو عمار بالسُم، والقائمة طويلة نذكر منهم د. فتحي الشقاقي، و د. رمضان شلح الأمينان العامان لحركة الجهاد الإسلامي، والدبلوماسي في منظمة التحرير نعيم خضير، ورسام الكاريكاتير الشهير ناجي العلي، والكاتب الصحفي غسان كنفاني، ولا سيما هناك شخصيات وطنية مضت بظروف غامضة ووقت قصير منهم القائد عمر البرغوثي، والبروفيسور الأكاديمي د. عبدالستار قاسم، والوزير وصفي قبها، وغيرهم الكثير كانت وفاتهم غير طبيعية وتحمل بصمات المحتل وأعوانه، واليوم نكتشف إصابة أيقونة المقاومة بجنين فتحي خازم بالتسمم في الدم، في حين حاول الاحتلال اغتيال القائد المجاهد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" آنذاك، بالسُم عام 1996 وباءت محاولته بالفشل، إذ سُمم في عمان على يد الموساد الصهيوني، لكن في نهاية الأمر أُجبرت (إسرائيل) على الترياق المضاد للسم، وإنقاذ حياة مشعل.

أبو الرعد خازم قدَّم فلذات أكباده على طريق الجهاد والمقاومة، وكان الأب الكبير الحاضن للمقاتلين الثوار، ويُعد أيقونة المقاومة بمخيم جنين استطاع توحيد اللون السياسي، وتشكيل عقيدة وطنية راسخة ودعم خلايا أحيت سُنة الجهاد والرباط، فلم يبحث عن القيادة، ولم يلهث خلف المغريات، واستطاع أن يتجاوز حدود جسده المتعب، وقلبه المنهك حُزنًا على أبنائه من أجل القضية الأطهر، ليقارع عدوًا تغوَّل في القتل، كيف لا وهو قامة وطنية تجاوزت كل التقسيمات ومصدر إلهام لكل الثائرين في وجه الظلام، اليوم أبو الرعد بين يدي الله، يصارع المرض في إثر تعرضه لتسمم في الدم أدى إلى انتشاره كاملًا وانتفاخًا بارزًا في جسده، وسط شكوك بوقوف الاحتلال وراء ذلك المرض اللعين. فتحي خازم والد الشهداء رعد خازم منفذ عملية الرعب في (تل أبيب) والتي أوقعت 16 مستوطنًا بين قتيل وجريح في إبريل 2022، وعبد الرحمن خازم أحد قادة كتيبة جنين، الذي استشهد في اشتباك مع قوات الاحتلال في مخيم جنين في سبتمبر 2022م، وقد يسقط شهيدًا إن لم يعالج أو يسافر إلى العلاج بالخارج، ضحية اغتيال صهيوني صامت بمشاركة ضباط كبار في السلطة استدرجوه من جنين إلى رام الله بحجة كفالة علاجه، لكونه موظف سلطة متقاعد قبيل شهر من اكتشاف إصابته بالتسمم في الدم،  وهذه دلالة بارزة على أن بصمة الاحتلال واضحة وضوح الشمس في محاولة اغتياله بصمت نتيجة تمثيله تهديدًا قوميًا للكيان المغتصب، واستطاعته توحيد الفصائل بالمخيم، وفقدان السيطرة الأمنية المشتركة عليه، وتأثيره في أفراد السلطة للالتحاق بالثوار والارتقاء في سبيل الله وفداءً للوطن.

نفذ الاحتلال الصهيوني على مدار سنوات عمليات الاغتيال سواء كانت بـ"كاتم الصوت"، أو بـالاغتيال البيولوجي "التسميم"، فعلى مدار سنوات يعيش الاحتلال الصهيوني على ارتكاب المجازر والجرائم بشتى أشكالها، لكنه عندما يعجز لأسباب مختلفة يسعى لارتكاب جرائمه عبر سياسة "الاغتيال الهادئ" بأدوات بيولوجية متعددة وأسلوب ممنهج يستخدمه الكيان الصهيوني منذ نشأته في الاغتيال الصامت لرموز وطنية لها تأثير شعبي واسع على مدار سنوات للنيل من المقاومين الفلسطينيين من رجال وأبطال المقاومة، إذ يلجأ الاحتلال لتلك العمليات الصامتة، لمنع التصعيد ويبعد عن نفسه تبعات ردات الفعل، ويسعى الاحتلال بواسطة عملائه وأجهزة استخباراته إلى تنفيذ عمليات اغتيال هادئة بحق العديد من المناضلين والمجاهدين في العالم، ويطلق الإعلام على تلك العمليات مصطلحات مختلفة منها ما عُرف بـ"الاغتيال الهادئ"، أو "الموت الغريب"، أو "الاغتيال النظيف"، أو "الجرائم الناعمة"، والتي لا تثير ضجة حول مرتكبيها، والتاريخ سجَّل أحداثًا مؤلمة وفقدان شخصيات وطنية فلسطينية مختلفة اللون السياسي منهم:

▪︎ وديع حداد القيادي في الجبهة الشعبية توفي بدم بارد وموتٍ بطيء في ألمانيا بسبب مرضٍ مجهول أصاب جهاز المناعة في جسده، وتبين أنه اغتيل بواسطة دس السُم في شوكولاته بلجيكية، ليُكشف أنها المرة الأولى التي يحدث فيها الاغتيال البيولوجي.

▪︎ محمود المبحوح القيادي العسكري في حركة حماس اغتيل بدبي بواسطة دس عناصر الموساد السُم له بحقنه مادة بيولوجية مجهولة أدت إلى إصابته بنوبة قلبية فورية.

▪︎ الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، اغتيل مسمومًا بمادة بيولوجية تسمى "الثاليوم" وهي خطيرة جدًا، ليست لها رائحة أو لون.

سيناريو مخيف يتمحور في الأفق بشأن مصير القائد فتحي خازم، فهل ينجو الجبل الشامخ أم يرتقي شهيدًا بصمت؟ أبو الرعد خازم عُرف بوطنيته ووفائه وصموده وثباته، حتى أصبح المطلوب الأول لجيش الاحتلال في جنين، وكانت المداهمات والعمليات العسكرية ضده متكررة الواحدة تلو الأخرى للوصول إليه، وتكاد المحاولات تبوء بالفشل ويظهر بصورة عز وشموخ ويردد مقولته المشهورة "لن يدخلوا مخيمنا" بعد أن وحّد المخيم على قلب رجل واحد ولهذا لم يستطع الاحتلال اعتقاله أو اغتياله بالوسائل الخشنة، فأدرك أن الوصول له والتخلص منه بوسائل أخرى، وهذا الأمر ترك فزعًا كبيرًا وخوفًا مصيريًا في الشارع الفلسطيني بشأن حياة القائد فتحي خازم، وقد ظهرت عليه مؤخرًا آثار التسمم، وتغير على لون الجلد، وشحوب في الوجه وانتفاخ وظهور الأورام، وعدم قدرته على التكلم، فما المصير المرتقب لأبي رعد؟ الإجابة القدر المكتوب عليه، فنسأل المولى أن يمُن على أبي الرعد بالشفاء العاجل، ويحفظ المولى قادة المشروع الوطني.