فلسطين أون لاين

حكومة نتنياهو وميزان المقاومة.. سيناريوهات وتحديات

"المكتوب مبيِّن من عنوانه" مثل شائع في بلاد الشام، وينطبق على حكومة نتنياهو الجديدة، التي استبقت جلستها الأولى بجريمة اقتحام أحد وزرائها إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي الصهيوني باحات المسجد الأقصى، في خطوة استفزازية لمشاعر المسلمين على هذه المعمورة، إذ يُعد هذا الاقتحام هو الأول لابن غفير بصفته الرسمية.

اقتحام يعكس توجهات حكومة نتنياهو العدوانية، ولكنه لاقى ردود فعل كبيرة جدًا، كما وصفها رئيس وزراء دولة الاحتلال السابق يائير لابيد، بأن اقتحام ابن غفير وضع (إسرائيل) في خلاف مع نصف العالم، وهو ما عكسته جلسة مجلس الأمن الخميس الماضي، إذ قدم المجتمعون إحاطات جميعها أدانت أي تغيير في الوضع القانوني والتاريخي لمدينة القدس، ورفضت حادثة الاقتحام.

اقتحام ابن غفير هو ترجمة عملية لاتفاق الثلاثي ابن غفير، وسموتريتش، ونتنياهو، الذي يقع ضمن بنوده: تغيير الواقع القائم في القدس، إضافة إلى بنود أخرى متعلقة بالاستيطان والعدوان والأبارتهايد، إلخ. وأثر ذلك في ميزان المقاومة في فلسطين.

أولاً: ميزان المقاومة في فلسطين.

ميزان المقاومة في فلسطين سيزداد، كيف؟ ولماذا؟ الإجابة سهلة جدًا، ويكفي أن تقرأ تركيبة حكومة نتنياهو وتوجهاتها السياسية، وبداية سلوكها على الأرض عبر اقتحام ابن غفير باحات المسجد الأقصى، ومع فشل العدالة الدولية ممثلة بمجلس الأمن من الحفاظ على الوضع القانوني والتاريخي في القدس عبر قرار واضح أو على أقل تقدير بيان قوي يدين تلك الحكومة الفاشية، والاكتفاء بالإحاطة التي قدمها الأعضاء، وجميعهم أدان هذا التوجه لكن دون تحرك فعلي، وخطوات عملية تسحب صاعق التفجير من الأراضي الفلسطينية، مع عدم اكتفاء (إسرائيل) بذلك وإصرارها على أن ما حصل هو ضمن حقوقها السيادية على القدس، وتبجحها في إعلان سلسلة عقوبات ضد القيادة الفلسطينية بسبب توجهها لمجلس الأمن، فإن كل ذلك وغيره يؤكد أن ميزان المقاومة مرجح للزيادة في الفترة المقبلة، وفقًا للسيناريوهات الآتية:

سيناريو التصعيد والانفجار الواسع.

هذا السيناريو هو المرجح ويرتبط حدوثه بمدى تطبيق حكومة نتنياهو الاتفاق بين مكونات الائتلاف الحكومي، إذ إن هذا الاتفاق سيحقق الآتي:

تآكل مشروعية السلطة وقيادتها، وعليه تصبح خياراتها تنحصر بين التلاشي والحل أو تغيير وظيفة ودور السلطة من الدور الوظيفي الأمني إلى الالتحام مع شعبها ومقاومته.

سيفجر الأوضاع في القدس ومناطق الـ 48، وهو ما سيعزز من حالة الغليان في بقية الأراضي الفلسطينية.

تطبيق الاتفاق، والذهاب نحو شرعنة البؤر الاستيطانية، وزيادة وتيرة الاستيطان، وتغيير قواعد إطلاق النار، وتطبيق قانون الإعدام ستزيد من حالة الغليان الموجودة أصلًا، وصولًا إلى انتفاضة شعبية تسبق فيها الجماهير توقعات الجميع.

أبرز التحديات التي تعترض هذا السيناريو:

تمرير نتنياهو الاتفاق بطريقة أكثر ذكاءً بما يحقق امتصاص غضب الجماهير الفلسطينية والدبلوماسية الدولية، وبين إرضاء اليمين المتطرف.

جماعات المصالح الفلسطينية التي تخشى على مصالحها، وعليه تعمل من أجل تقويض الانفجار، والحفاظ على مكتسب السلطة الحالي.

الانقسام السياسي الفلسطيني، وغياب التوافق والإستراتيجية الوطنية الموحدة القادرة على مواجهة الفاشية الصهيونية.

سيناريو التصعيد المحدود.

الحفاظ على نفس الواقع الراهن، والإبقاء عليه ضمن عمليات محدودة تتركز في شمال الضفة الغربية، والحفاظ على مكانة السلطة ودورها، مع التنسيق على احتواء ما يحصل مقابل تمرير ذكي لمشروع حكومة نتنياهو يبتعد عن مظاهر الاستفزاز، وصولًا إلى احتواء المشهد في الأراضي الفلسطينية، وعلى الحلبة الدولية والإقليمية، والتفرغ لاستئناف قطار التطبيع، وقد يذهب نتنياهو إلى التفاوض الشكلي المحدود مع قيادة السلطة، وتقديم بعض التسهيلات لها التي تُعزز من مكانتها.

أبرز التحديات التي تعترض هذا السيناريو:

هشاشة الائتلاف الحاكم في (إسرائيل) دون يمينية واضحة ومعلنة، وسلوك استيطاني تهويدي قد يحلُّ هذا الائتلاف والذهاب إلى انتخابات مبكرة، وهذا يشكل تحديًا لنتنياهو على المستوى الشخصي أيضاً.

حالة الغليان داخل الأراضي الفلسطينية واحتضانها للمقاومة بكل أشكالها تعدُّ تحديًا أمام سيناريو الاحتواء والهدوء دون أثمان سياسية مقبولة.

ضعف الموقف الدولي وازدواجية المعايير في التعاطي مع القضية الفلسطينية بالمقارنة مع الحرب الروسية الأوكرانية، تعزز الأصوات التي تنادي بضرورة الانفجار.

يقين الشارع الفلسطيني أن ثورة شعبية كبيرة هي الطريق الأمثل نحو الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام على أرضية المقاومة، وهي المدخل إلى تغيير وظيفة السلطة، والتحرر من الاتفاقيات الموقَّعة مع دولة الاحتلال.

الخلاصة: حكومة نتنياهو الفاشية تعدُّ فرصة للفلسطينيين لو أحسنوا التصرف، وتجاوزوا حالة الانقسام إلى التوحد وبناء إستراتيجية وطنية هدفها عزل شرعية دولة الاحتلال ومواجهتها بكل الوسائل والسبل، من أجل هدف واحد، وهو الانعتاق من الاحتلال وبناء الدولة المستقلة كاملة السيادة.