فلسطين أون لاين

تقرير "عاصور".. سردية لا تنتهي لقضايا تمس الفلسطيني ومعاناته

...
رام الله- غزة/ هدى الدلو:

بين وقائع حقيقية وأخرى من نسج الخيال، يبني الكاتب الفلسطيني زهير فريد مبارك تجربته الروائية الأولى "عاصور" بعد مجموعته القصصية "قفص ناعم".

المكان فلسطين والمواجهة من العدو، ومنها تتشكل أرضية الرواية حيث تندمج شخوصها مع تفاصيل يومية بحاجة إلى تدوين كالانتفاضة الأولى، والثانية، والبؤس، والفقر، والجوع، والمواجهات مع جيش العدو، وموت الأب، والأم، والطفل، إنها سردية الألم الذي لا يتوقف، ولن يتوقف إلا برحيل الاحتلال.

يوضح مبارك لصحيفة "فلسطين" أنّ اسم الرواية عاصور وليس العاصور، متعمدًا إسقاط "أل" التعريف حيث درج الاسم على ألسنة الناس كوصف للجبل الفلسطيني الذي يُعدُّ امتدادًا لسلسلة جبال القدس المحتلة.

ويقول مبارك: "عاصور كتسمية وفكرة، هو حالة انتباه لسكان عاصور ليس عاصور نفسه بل البلاد كلها وما يمثله عاصور من شموخ ومن وقوعه تحت الاحتلال، فما ينطبق عليه، ينطبق على البلاد كلها، وما ينطبق على سكانه ينطبق على الشعب الفلسطيني كله في الداخل والشتات، ولهذا كتبت تنبيهًا في بداية الرواية قلت فيه: "هناك.. تكمن تلك السردية التي لا تنتهي، أبطالها حقيقيون، لم تذكرهم بطون الكتب ولا الروايات، ولكنهم كانوا يمارسون بطولاتهم تحت أقدام "عاصور"، منهم من رحل، ومنهم ما زال يحاول استعادة ذلك "العاصور"، وما زالت المحاولات مستمرة ما دام أسيرًا بيد الغزاة".

لغة الرواية

وجمع مبارك في السرد الروائي بين الخيال والواقع، فأحداث الرواية ليست حقيقية خالصة، وليست خيالًا مفرِطًا، منطلقًا من قناعة شخصية بأن لدى فلسطين ما يكفي من الواقع لكتابة الرواية والقصة كأرضية أساسية وبما لا يتعارض مع تقنيات الكتابة الروائية، ولكن ليس بنفس الجمود المفروض حولها بل باستغلال الأجناس الأدبية الأخرى.

ويضيف مبارك: "ذلك كان كفيلًا بزحزحة وتطوير الرواية مما هي عليه الآن، قد لا يعجب بعض النقاد هذا الحديث إذ إنه يمكن أن يكون جزءًا من الرواية سيرة ذاتية ولو بجزء محدود أو توظيف السرد بشكل أكبر، حتى هناك من يذهب إلى أنّ عمود خيمة الرواية الأساسي هوالسرد".

وبالنسبة للبناء الفني للرواية، فيلفت إلى أنها حالة من الدمج ما بين الأحداث التي تم اختيارها بعناية كمخطط أولي قبل البدء في كتابتها لتعالج قضايا محددة تمس الناس وحياتهم ومعاناتهم، وألا تكون مجرد رواية ثقافية مجردة.

ويمضي بالقول أنّ كل من يقرأ الرواية "يشعر أنّ فيها شيئًا يخصه، ولهذا لاقت قبولًا وإقبالًا على قراءتها، وقد ساعد على ذلك لغتها"، مستدركًا: "أن أحد المأخذ عليّ فيما كتبته سابقًا صعوبة اللغة المستخدمة، بخلاف ما جاءت عليه أسلوب عاصور".

ولهذا من الصعوبات الكبيرة التي واجهت مبارك قبل البدء في الكتابة بأيّ لغة يكتب، وأيّ فئة يخاطب، وقرر قبل البدء في الكتابة أن تكون مناسبة للجميع، للإنسان العادي، وللمثقف، وللناقد أيضًا، فلا يمكن الاستغناء عنهم لحاجته إلى تعديل بعض الأمور أو الهفوات إن وجدت والتطوير والبناء على التغذية الراجعة من قبلهم، كونه لا يمكن التعويل على الذوق العام بالكامل مع عدم إنكاره أهميته الكبيرة.

زمن وجغرافية الأحداث

ويوضح مبارك أنه تعامل مع الأحداث بشكل "بندولي" غير مرتبطة بالتسلسل الزماني، وإن تصادف تقاطع في بعض الأحداث، "وأفضل تسميتها بميلاد الأحداث بعضها كانت عبارة عن ندبات غائرة في النفس لم تخرج مجردة، وإنما غلفت بدرامية تبلورت لاحقًا على ما هي عليه الآن بين دفتي الرواية"، وفق حديثه.

ويلفت مبارك إلى أنه تعامل مع الرواية كخشبة مسرح، حيث الشخصيات التي عليه تقدم دورها ثم يصعد غيرهم على هذه الخشبة ليقدم ما عنده من سردية تخصه، كما أنه بصفته راويًا لا يتدخل فيما يقول بل يعطيه الحرية الكاملة بما يريد قوله حتى ما لم يقله في أثناء حياته على العلن.

ففاطمة على سبيل المثال يقدمها وهي صبية جميلة في صباها معتزة بفستانها الأبيض الذي يتنقل معها أينما حلت، وتغيب بعدها لتعود وهي في مرضها الأول، ثم تغيب ليأتي من يقدم سرديته كحال رحاب أو غيرها.

ويبين مبارك أن الأحداث لم تعرف جغرافيا محددة بعينها، ولكن في الوقت نفسه متلاصقة وكأنها شقيقة روحها، وكذلك الشخصيات المتعددة التي فرضت نفسها حسب تسلسل الرواية ومواضيعها، وهذا جعله بعد الانتهاء من كتابة الرواية الأولية إلى العودة وقتل العديد من الشخصيات التي شعرت أنها أقحمت في الرواية رغم حبي لها، وهنا برز لديه قاعدة أستاذه حسين البرغوثي عندما قال "اقتل أحبابك في النص عندما يكون وجودهم على حساب النص لا بد من قتلهم".

مواضع فرضت نفسها

وينبه إلى أن هناك العديد من المواضيع التي فرضت نفسها، منها فكرة الحياة والموت وربطها بوجود الاحتلال بين غرفة الإنعاش وتجربة الغيبوبة وبين المعسكر الاحتلالي الذي يقبع فوق تل العاصور، وإعادة البحث في الاجتياح وإخضاعه لرواية الناس العاديين ومعاناتهم والجرائم التي ارتكبها الاحتلال وقتها، ولكن مع التركيز على الأحداث والتفاصيل التي عاشها الناس، كما تطرقت الرواية للحديث عن الفقد وصعوبته، وعن الفقر، وعن أمور أخرى.

وهناك العديد من شخصيات الرواية الحقيقية والخيالية يصعب حصرها، ولكن أبرزها فاطمة، وفريد، وجمال، وأمينة، أبو حسان، وفوزان وغيرهم.

وجاءت عاصور في 200 صفحة مكونة من مفتاح و20 بابًا وقفلًا، استغرق في الكتابة الرئيسة لها ما يقارب 10 أشهر، وما بين المعالجة والتدقيق احتاجت إلى 6 أشهر إضافية.