فلسطين أون لاين

​ولكنكِ قصيرة!

ذات مرةٍ كنتُ ضيفة لأحد اللقاءات التلفزيونية التي تستعرضُ الوجه الآخر، لمن يصفهم منظمو اللقاء (بالمشاهير)، وخلال اللقاء فاجأتني مقدمة البرنامج بسؤالها: "هل لديكِ مشكلة مع القصر"، وعلى غرابةِ سؤالها الذي يُوجهُ لي لأول مرةٍ في لقاءٍ مصور قلتُ لها: "إطلاقًا، بل أفتخر بأنني قصيرة، لأنني سأبقى في نظرِ كل من يُشاهدونني فتاة صغيرة، ومهما أكبر أبقى (نغشة) مثل (قمر 14) لا أكبر إطلاقًا".

وأكملُ لكم أعزائي أن أحد من أعدهم قامة في البلد، ذات مرة نظر لي وكأنه يقيسُني بالسنتيمتر أو (الشبر)، قبل أن ينطق أمامي ودون أن يراعي بريستيجه الثقافي "ولكنك قصيرة"..!

لا أدري ما الذي كان يُفكر فيه وهو يتأملني، ليُفجرَ في وجهي كلمة كان يظنُ أنها ستُحرجُ كبريائي وستضعُ ثقتي بنفسي في مأزق، ألم يعلم بأن الله خلقني في أحسنِ تقويم، وأنه أرادَ بكوني قصيرة، أن يجعلَ مني شأنًا عظيمًا في المجتمع، وأن يُوحي لكلِ الخليقة بأن القصة ليست قصة أشكال وصور، بل قصة أعمال ونوايا وأحلام نسعى لتحقيقها واقعًا..!

ثم ما الذي يُضيرُ الواثقة بنفسها حينَ تكونُ قصيرة، أكادُ مع ضرباتي المميزة في ساحاتِ التميز أن أنسى قصري، الذي يُحاول البعض أن يُصوره لي بأنه (عيب)..!

أحدهم وإحداهن، بل كثيرون منهم، يقولون في إشارةِ تعجبٍ من أعمالِ الناجحين "كله شبر ونص وكل هذا بيطلع منه" يُواصل آخر مكملاً "كيف لو كان طويل شوية"..!

أساليب الإسقاط النفسي للمصابين بهوسِ النقص، ومرضى انعدام الثقة بالنفس، لا تمرُ علينا إلا بكلِ سكينةٍ ورضا، لأننا أناسٌ راضون عن الله، الذي خلقنا بأشكالنا الجميلة، وسنبقى نفتخر بنعمة الرضا التي نرجوه جل في علاه أن يزيدها في قلوبنا؛ ليُكرمنا بالمزيد..

أردتُ من كواليسي هذه أن أقول لكلِ أنثى، تباهي عزيزتي بشكلك، افتخري بأنكِ جميلة، فأنتِ كذلك، وتذكري لا يُوجد فتاة قبيحة ولكن تُوجد من لا تعرف كيفية تجميل نفسها..!

وأهديكِ بيتًا من الشعر كنتُ وما زلتُ أردده "لا خير في حسنِ الجسوم وطولها إذا لم تزن حسن الجسوم عقول"، وأختمُ كواليسي بموقفٍ طريفٍ تكرر معي كثيرًا خلال تقديمي لسلسلة احتفالاتٍ في مدينتي الجميلة، فقد كانت الجهات المنظمة تحرص على أن تضعَ لي شيئًا مستويًا على الأرض؛ لأعلو عليه، كي يراني الجمهور بوضوح، وكي أكونُ قريبة من منصةِ الاحتفال؛ وما إن يأتي الضيف الذي أقدمه حتى يركلها بقدمه، وما إن ينتهي من كلمته حتى أُعيدها إلى المنصة لأواصل، كان الجمهور يبتسم، وكنتُ أبادله ابتساماته بابتسامتي، لم أكن أخجل ولم أكن أغضب، بل على العكسِ فلولا قصري لما حققتُ ما حققت، ولولا الرضا لما أكرمني الإله بما أكرمني، وأبشركم سيكرمني بالمزيد، بإذن الله.