مع إسدال الساعات الأخيرة لعام 2022م أنهت حركة فتح احتفالاتها بانطلاقتها الثامنة والخمسين في غزة برعاية أمنية كاملة من الشرطة الفلسطينية في قطاع غزة، وذلك من خلال مهرجانين لأنصار فتح الأول بمشاركة أنصار رئيس السلطة محمود عباس في أرض الكتيبة غرب مدينة غزة، والثاني في ميدان الجندي المجهول وسط مدينة غزة بمشاركة أنصار التيار الإصلاحي بزعامة القيادي المفصول من الحركة محمد دحلان.
احتفالات حركة فتح في غزة تحمل الكثير من الدلالات التي ينبغي التوقف عندها، ففي الوقت الذي كانت تقوم فيه الأجهزة الشرطية في قطاع غزة بحماية مهرجانات حركة فتح في غزة، كانت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة في الضفة تلاحق وتشتبك مع مجموعات مسلحة من أنصار حركة فتح حاولت تنفيذ عرض عسكري بمناسبة انطلاقة الحركة في محافظة بيت لحم، في مقارنة واقعية بين العقيدة الوطنية التي تحملها الأجهزة الأمنية في غزة، وتلك العقيدة المنحرفة عن المسار الوطني التي تحملها الأجهزة الأمنية التابعة لمحمود عباس في الضفة المحتلة.
حرص حركة حماس على تأمين مهرجانات انطلاقة فتح في غزة، الذي برز من خلال مشاهد استنفار الشرطة في غزة، وقيامها بجهود ملموسة لتسهيل وصول أنصار حركة فتح لمواقع إقامة المهرجانات، وسرعة توفيرها الحماية الأمنية لعضو اللجنة المركزية لحركة فتح أحمد حلس في أثناء اعتداء أبناء فتح من منتسبي تفريغات 2005م الذين يطالبون بتوفير حياة كريمة لعوائلهم، يأتي بعد ملاحقات عنيفة، وحملات اعتقال منظمة، ومطاردات ما زالت مستمرة لأبناء وأنصار حركة حماس في الضفة المحتلة، في صورة تبدو متناقضة بين ما تقدمه حماس من بوادر حسن نية ملموسة تجاه الوحدة الوطنية، وبين ما ترتكبه قيادة السلطة الفلسطينية من موبقات وطنية تجاه القوى الفلسطينية ولا سيما منعها حركة حماس من الاحتفال بذكرى انطلاقتها في محافظات الضفة، وملاحقة راياتها الخضراء المرفوعة فوق منازل أنصارها في مخيمات وبلدات الضفة المحتلة.
لجوء حركة فتح التي تسيطر على محافظات الضفة إلى غزة التي تسيطر عليها حركة حماس لإقامة مهرجان انطلاقتها المركزي يؤكد أن غزة هي واحة للحريات العامة، وأن حماس نجحت في تعزيز الشراكة الوطنية، وأنها صادقة قولًا وفعلًا بمطالبتها بإتمام ملف المصالحة الوطنية على قاعدة الشراكة، ودعواتها المتكررة إلى عقد الانتخابات العامة والاحتكام إلى صندوق الاقتراع، وطي صفحة الانقسام، وهي دعوات لم تجد صدًى لدى قيادات السلطة حتى اللحظة.
شهادات الشكر والإشادات التي قدمها عدد من قيادات حركة فتح لحركة حماس على جهودها الكبيرة في إنجاح مهرجانات انطلاقة فتح في غزة، وفي مقدمتها شهادة القيادي في حركة فتح فهمي الزعارير الذي أكد "حرص الأجهزة الأمنية في غزة على تهيئة الأجواء الإيجابية لتنظيم مهرجان انطلاقة فتح، وأن هذه الجهود -وفق رأيه- هي فاتحة خير من أجل إنهاء الانقسام وإعادة روح الوحدة الفلسطينية"، وهي شهادة تؤكد الحاجة الماسَّة لوحدة الشعب الفلسطيني في مواجهة الخطر الداهم من حكومة نتنياهو الفاشية المتطرفة التي تستهدف الكل الفلسطيني على حد سواء، وهنا نستحضر شهادة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح أحمد حلس في كلمته أمام المحتشدين من أبناء فتح في مهرجان الانطلاقة المركزي في غزة، "بأن القوى الوطنية والإسلامية كانوا وسيبقون دومًا شركاء الوحدة والدم والنصر"، فالترجمة العملية لهذه الدعوات الوطنية تستوجب من قيادة السلطة الفلسطينية في الضفة التوقف الفوري عن حملات الملاحقة والاعتقال السياسي لأنصار حماس والمقاومة في الضفة المحتلة، وهي خطوة ربما أشار إليها عضو اللجنة المركزية في حركة فتح عباس زكي الذي أشاد "بدور الأجهزة الأمنية في غزة بتأمين مهرجان انطلاقة فتح" وأكد أن "تعاون حركة حماس في تعزيز الحريات العامة إيجابي ويجب أن يُقابَل بردود فعل إيجابية مثلها".
إنني إذ أبارك لحركة فتح بتيارَيْها النجاح في إقامة مهرجانات انطلاقتها في غزة، وأهنئ حركة حماس على ما قدمته من سلوكيات وطنية تُسهم عمليًّا في اقتراب شعبنا من إتمام الوحدة الفلسطينية من خلال حرصها على خدمة أبناء شعبنا المحتفلين بهذه الانطلاقة، وتأمين المهرجانات الوطنية التي نفخر بها، فإنني أرى أن كلمة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح أحمد حلس أمام المحتشدين من أنصار حركة فتح حملت الكثير من المضامين الوطنية التي تتقاطع مع أهداف ورؤية حركة حماس وكل القوى الوطنية، وهنا أستحضر منها دعوته لتطوير وتفعيل منظمة التحرير، وضرورة تنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي بإعادة النظر في الاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال، وأنه لا أفق سياسي للفلسطينيين في ظل حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، وأنه آن الأوان لتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية، وأن جهدنا كفلسطينيين يجب أن يتركز في عام 2023م على قضية تحرير الأسرى وجثامين الشهداء، وهي دعوات وطنية أدعمها بصفتي فلسطينيًّا، أرى أنها تعبر عما يجول في أذهان أبناء شعبنا الفلسطيني في كل مكان.
ختامًا دعاؤنا أن يكون لنجاح مهرجانات انطلاقة فتح في غزة ما بعده من خطوات لتعزيز الوحدة الوطنية وإشاعة أجواء الحريات العامة في الضفة المحتلة، فحرية العمل السياسي في غزة التي أشاد بها المتحدث باسم "التيار الإصلاحي الديمقراطي" لحركة فتح عماد محسن" بعد إيقاد شعلة ذكرى انطلاقة حركة فتح ينبغي أن نرى مثيلًا لها من حرية العمل السياسي في الضفة المحتلة.