14 عامًا مرَّت على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في عامي 2008-2009م، وحتى لا ننسى تلك الأيام أطرح التساؤلات الآتية: ما البيئة السياسية قبل العدوان؟ وما أبرز محطات العدوان؟ وما نتائج معركة الفرقان؟
تهدئة برعاية مصرية تهدف إلى كسر الحصار، مدتها ستة أشهر لم تلتزم (إسرائيل) بها، ووجهت ضربة للمقاومة أسفرت عن استشهاد ستة فلسطينيين من كتائب القسام، وردت المقاومة على هذه الجريمة، وتدخلت مصر وأعلنت العودة إلى التهدئة صباح يوم الخميس 25/12/2008م أي قبل العدوان بيومين.
(إسرائيل) تعمدت الخداع، إذ أعلنت حكومة إيهود أولمرت يوم الجمعة 26 ديسمبر 2008م عن مُهلة 48 ساعة لوقف إطلاق الصواريخ، مهددةً حركة حماس بعملية عسكرية واسعة في حال عدم الاستجابة، وجاءت هذه العملية في أقل من 24 ساعة من منح مهلة الـ 48 ساعة. ولم يقتصر الخداع على الإعلان الرسمي، بل قامت بفتح المعابر وأدخلت 428 ألف لتر من الغاز الصناعي، ونحو 75 طنًا من غاز الطبخ، إضافة إلى 105 شاحنات إغاثة قبل يوم واحد من العدوان، وهو ما ساهم في عودة الحياة في غزة إلى طبيعتها وعودة دوام الموظفين، وعاد أفراد الأجهزة الأمنية إلى دوراتهم التدريبية ومَقارهم، وفي صباح يوم السبت 27/12/2008م بدأ العدوان.
شنَّت الطائرات الحربية الصهيونية غاراتها في وضح النهار تقريبًا الساعة الحادية عشرة صباحًا موعد مغادرة الطلاب مدارسهم، واستهدفت في دقيقة واحدة معظم المقار العسكرية والشُرطية والأمنية ضمن منطق الصدمة والردع، وقتلت المئات من أفراد الأجهزة الأمنية والشرطية في الساعة الأولى من العدوان، ففي اليوم الأول وحده استُهدف 80 مقرًا أمنيًا، ما أدى إلى ارتقاء 271 شهيدًا و750 جريحًا. وعليه يمكن تقييم هذا العدوان بأنه حرب استئصالية للمقاومة الفلسطينية، إذ راهنت (إسرائيل) على انهيار القطاع وحركة حماس التي تحكمه بعد الضربة الأولى، ولكن فشلت التقديرات الإسرائيلية، وأثبتت المقاومة أنها فكرة والفكرة لا تموت.
أسفر العدوان عن استشهاد 1417 فلسطينيًا على الأقل (من بينهم 926 مدنيًا و412 طفلًا و111 امرأة) وإصابة 4336 آخرين، إضافة إلى استهداف منازل سكنية وجامعات ومستشفيات الخ…
في المقابل كانت الخسائر الإسرائيلية حسب مزاعم الاحتلال مقتل 13 إسرائيليا وإصابة 400 آخرين، لكن المقاومة أكّدت أنها قتلت قرابة 100 جندي.
استخدمت (إسرائيل) في هذا العدوان سلاحًا محرمًا دوليًا، وهو الفوسفور الأبيض، وعندما نذكر هذا السلاح نتذكر مجازر عديدة، أهمها: مجزرة مدرسة الفاخورة في مخيم جباليا التابع للأونروا، ومجازر أخرى قضت على عائلات بأكملها.
عملت المقاومة في هذه المعركة بحنكة في امتصاص الضربة الأولى ونتائجها وأثرها النفسي، وأطلقت في أثناء عملياتها حربًا نفسية مقابلة تهدف إلى رفع معنويات شعبنا، وضرب معنويات العدو، مثل: عملية توسيع رقعة الزيت، أي القصف إلى مديات أبعد.
لكن لا يمكن فهم نتائج معركة الفرقان وأداء المقاومة بمعزل عن تطور الأداء في معارك حجارة السجيل، والعصف المأكول، وسيف القدس، والتحولات الإستراتيجية التي حصلت، والتي ذكرتُها في مقال سابق بعنوان: “العصف المأكول وحجم التحول في قدرات المقاومة”، ولكن في سياق توثيق نتائج معركة الفرقان وردود الأفعال التي حصلت، لم يُفلح النظام الإقليمي العربي طوال مدة العدوان (23 يومًا) من عقد قمة عربية يحضرها الجميع، فبعد طول عناء نجحت قطر في عقد مؤتمر قمة عربي حضرته 12 دولة عربية فقط، ولم يحضر رئيس السلطة عباس هذا المؤتمر، ومثّل فلسطين السيد خالد مشعل.
وبعد انتهاء العدوان عقدت القاهرة على أراضيها مؤتمرًا دوليًا لإعادة إعمار قطاع غزة، بينما ذهب مجلس حقوق الإنسان إلى إصدار تقريره الشهير الذي يدين جرائم (إسرائيل) ضد الإنسانية، وهو تقرير جولدستون.
زال غبار العدوان، وذهب تقرير جولدستون أدراج الرياح، ولم يحاكم أحد من الاحتلال، وبقي الألم يعتصر قلوب الفلسطينيين، بينما أعلنت القاهرة تهدئة جديدة ساهمت في وقف القتال. لكن على الرغم من ذلك فإن تطور أداء المقاومة في قطاع غزة، وازدهارها في الضفة الغربية كنتيجة طبيعية لسلوك الاحتلال الصهيوني وتعثر المسار السياسي، والذي ساهم في ولادة حالات عسكرية، أهمها مجموعة الشباب الثائر في جنين وعرين الأسود مع ازدياد واضح لحجم الحاضنة الشعبية لهم، ومع وجود الحكومة اليمينية الحالية بزعامة نتنياهو، فإن الأمل سيخرج من رحم الألم عبر مؤشرات الانفجار الكبير في حال نفَّذ نتنياهو اتفاقه مع بن غفير، والذي يقوم على أربع ركائز، وهي:
1. تسهيل عمليات ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية.
2. فرض "السيادة" على المستوطنات، والطرق الاستيطانية الجاثمة عليها، وعزم حكومته تخصيص مبالغ طائلة لشرعنة وتطوير البؤر العشوائية.
3. العمل على تطبيق قانون الإعدام بحق الفلسطينيين، ومنح جنود الاحتلال وعناصر شرطته المزيد من الصلاحيات لإطلاق النار عليهم.
4. تغيير الواقع القائم في القدس عامة، وفي المسجد الأقصى خاصة.