فلسطين أون لاين

تقرير حوارات الجزائر 2022.. فرصة لتحقيق المصالحة اصطدمت باشتراطات عباس

...
صورة أرشيفية
غزة/ محمد الأيوبي:

على الرغم من اجتهاد الجزائر ودبلوماسييها بقيادة الرئيس عبد المجيد تبون في تقريب وجهات النظر بين الفلسطينيين، وجمع ممثليهم في لقاءات على مستوًى رفيع على أرض المليون شهيد في عام 2022، فإنّ النتيجة كانت بيانًا عامًّا لا يؤسس لاتفاق مصالحة، وفق ما يرى مراقبون فلسطينيون.

ووضع رئيس السلطة محمود عباس في اجتماع للمجلس الثوري لحركة "فتح" في رام الله، شروطًا لإجراء المصالحة الفلسطينية، تتعلق باعتراف جميع الفصائل بمنظمة التحرير ممثلًا شرعيًّا ووحيدًا للشعب الفلسطيني، والقبول بما تسمى "الشرعية الدولية".

اقرأ أيضًا: حوار غطاشة لـ"فلسطين": السلطة تواصل التفرُّد وعقدها "المركزي" نسف لحوارات الجزائر

في المقابل، قالت حركة حماس، على لسان رئيس دائرة العلاقات الوطنية في الخارج، علي بركة: إنّ إصرار عباس على قبول الفصائل الاعتراف بـ"الشرعية الدولية" على أنه شرط للمصالحة، يتعارض مع إعلان الجزائر ويؤخِّر تنفيذه".

وشهدت الجزائر اجتماعات للفصائل الفلسطينية، منتصف أكتوبر الماضي/ تشرين الأول الماضي، وفق ورقة تتضمن "اعتماد لغة جيدة للحوار، وتكريس مبدأ الشراكة السياسية، وتعزيز دور منظمة التحرير، وانتخاب المجلس الوطني وِفق صيغة متفق عليها، وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في جميع المناطق الفلسطينية".

كما تتضمن بنود الوقفة الجزائرية توحيد المؤسسات الوطنية، وتفعيل آلية عمل للأمناء العامّين للفصائل لتسهيل عمل الحكومة، وتشكيل فريق جزائري فلسطيني بمشاركة عربية؛ للرقابة على تنفيذ الاتفاق.

خيبات أمل

ورأى الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، أنّ متابعة لقاءات المصالحة الفلسطينية المرتقبة في الجزائر يجب أن تكون بحذر شديد، خاصة أنّ حوارات المصالحة متكررة، سواء الحوارات الثنائية، أو العامة، وكلها تنتهي بـ"خيبات أمل".

وأوضح عوكل لصحيفة "فلسطين" أنّ الجزائر اجتهدت في الجولة الأولى من حوار المصالحة بدعوة الأطراف كافة إلى الحوار، لكنّ النتيجة كانت بيانًا عامًّا لا يؤسس لاتفاق مصالحة، وِفق رأيه.

وقال: إنّ مفتاح التوصل لاتفاق المصالحة بيد رئيس السلطة محمود عباس، مطالبًا بتحديد مواعيد لإجراء الانتخابات بصفتها المدخل الممكن لإنهاء الانقسام.

وبيَّن أنّ أيَّ حوارات جديدة للمصالحة يجب أن تكون للبحث عن فكرة يمكن أن تكون مخرجًا لحالة الانقسام، فكلُّ الأفكار استُنفدت واستُهلكت، ولم يعد بالإمكان اختراع شيء لم يُناقش، والتوافق عليه.

ووفق المحلل عوكل، فإنّ الفصائل بحاجة إلى جلسة لإعادة تفعيل آخر اتفاق بينها، الذي كان يقضي بإجراء الانتخابات الشاملة، "وهذا لن يحتاج إلى وقت أو جهد كبيرين، ولكن هل هذا وارد؟ أعتقد أنّ الأمر صعب".

اقرأ أيضًا: فتح توفد "عراب التنسيق" مُمثلًا لها في حوارات الجزائر

وفي 9 فبرير/ شباط عام 2021، أعلنت الفصائل اتفاقها على آليات لإجراء الانتخابات العامة في مدينة القدس والضفة الغربية وقطاع غزة دون استثناء، والتعهُّد باحترام نتائجها في ختام محادثات أُجريت في العاصمة المصرية القاهرة، قبل أن يُعطّل عباس إجراءها، بذريعة عدم إجرائها في مدينة القدس المحتلة.

وعدّ عوكل أنّ تشكيل حكومة فلسطينية بالشروط الدولية "مسألة صعبة"، ولا سيما بشروط "الرباعية الدولية" التي لم تعد موجودة أصلًا. 

ولفت إلى أنّ (إسرائيل) دمرت كل اتفاقيات التسوية المُوقّعة مع الفلسطينيين، وغير معقول قبول بعض الفصائل التزام شروط دولية تدعو إلى الاعتراف بـ(إسرائيل)، والموافقة على العودة إلى طاولة المفاوضات وعملية التسوية.

وأشار إلى أنّ التطورات الخطيرة الأخيرة في (إسرائيل)، ووصول اليمين المتطرف، والتصعيد العسكري في الضفة الغربية، ينبغي أن يكون عاملًا قويًّا للاستعجال في ترتيب البيت الفلسطيني، وهو ما يصطدم بتصريحات رئيس السلطة برام الله بشأن التزامه المفاوضات، وعدم الخروج عن اتفاق "أوسلو"، حتى لو أنهت (إسرائيل) التزامها بهذا الاتفاق.

شروط عباس

من جانبه استبعد الكاتب والمحلل السياسي، د. حسام الدجني، نجاح "حوارات الجزائر" المرتقبة، وتحقيق اختراق في ملف المصالحة الوطنية، مع اشتراط عباس قبول شروط "الشرعية الدولية" لتحقيقها، دون توضيح ماهيتها، وهل ستؤخذ بكلِّيتها أو بالجزء الذي يخدم المصلحة الوطنية؟

وأوضح الدجني لصحيفة "فلسطين" أنّ شروط "الشرعية الدولية" تُعدُّ كابحًا أمام المصالحة، مشيرًا إلى أنّ اشتراط عباس الاعتراف بمنظمة التحرير ممثلًا شرعيًّا ووحيدًا للشعب الفلسطيني تعترضه إجراءات وبرامج سياسية قد تكون عائقًا.

ويعتقد المحلل السياسي "أننا أمام جولة دبلوماسية بكل ما تعنيه الكلمة، ولا أحد يستطيع أن يُفشل الدور الجزائري، ولكن عندما نغوص في التفاصيل نجد أنّ هناك تحديات مرتبطة بالحالة الفلسطينية، وإجراء انتخابات شاملة لكل المؤسسات الفلسطينية". 

ويبدأ تجاوز المعضلة الفلسطينية، وِفق الدجني، بإجراء الانتخابات، والاتفاق على قيادة تتخذ الإجراء المناسب، الذي يعطي مساحة للعلاقة مع الخارج على قاعدة "الشرعية الدولية" والقانون الدولي، ولكن ضمن مسار يخدم المصالح الوطنية، ولا يُقر بشرعية الاحتلال على الأرض الفلسطينية.

ولفت إلى أنّ عباس يملك مفاتيح الحلول، وإصدار مراسيم الانتخابات بحكم موقعه الرسمي، ومن المطلوب ممارسة ضغوط شعبية وفصائلية بكل الأدوات السلمية للذهاب إلى صندوق الانتخابات، لأنها أفضل الحلول، من أجل فرز قيادة جديدة تكون قادرة على اتخاذ قرارات بعيدًا عن المصالح والحسابات الفئوية والخاصة.

وبيَّن أنّ الذهاب للانتخابات هو الأساس في أيّ مصالحة وطنية، وبعد ذلك يتمخض عنها تشكيل حكومة، حتى لو سبقت الحكومة الانتخابات، على أن تكون حكومة مؤقتة توافقيَّة لإنجاز الانتخابات، والبدء بإستراتيجية وطنية تبدأ بإصلاح منظمة التحرير على أنها بيت جامع لكل الفلسطينيين.

اقرأ أيضًا: بركة: حوار الجزائر فرصة جديدة لإنهاء الانقسام

وذكر أنّ إصلاح المنظمة يجب أن يكون العنوان لأيِّ مصالحة وطنية، عن طريق انتخاب مجلس وطني يفرز مجلسًا مركزيًّا، ولجنة تنفيذية، ونقابات، وغيرها، وإصلاح مؤسسات النظام السياسي، وديمقراطية النظام السياسي، وإنهاء كل تداعيات الانقسام المتعلقة بالدم، وجبر الضرر، وملفات الموظفين، والملفات الإدارية، وإعادة وحدة غزة والضفة، والتوافق على برنامج المقاومة، وذلك في سياق النهوض بالمشروع الوطني.

"إدارة الانقسام"

ويتفق الكاتب والمحلل السياسي، نشأت الأقطش، مع الدجني، في عدم تحقيق لقاءات الجزائر أيَّ اختراق في ملف المصالحة، عادًّا ما يجري أنه ليس حوارًا للمصالحة، وإنما حوار لـ"إدارة الانقسام". 

وقال الأقطش لصحيفة "فلسطين": إنّ ما يجري ليس حوارًا على أساس شراكة وطنية وتبادل سلمي للسلطة، وليس نابعًا من قناعة حقيقية، لذلك لن ينتهي هذا الانقسام، لافتًا إلى أنّ إنهاء الانقسام ليس بحاجة إلى 14 عامًا من اللقاءات والحوارات.

ولفت إلى أنّ السلطة في رام الله لا يمكن أن تتخلى عن الامتيازات التي تحصل عليها تحت أيّ ظرف، ما دامت قادرة على الحفاظ عليها.

ويعتقد الأقطش أنّ البحث في آليات لتنفيذ اتفاقات المصالحة لا يعني إمكانية تحقيقها، وإنما إجراء الانتخابات العامة، والفائز يتولى إدارة قطاع غزة والضفة الغربية.

يُذكر أنّ الساحة الفلسطينية تُعاني انقسامًا سياسيًّا منذ صيف عام 2007م، وعلى مدار سنوات عُقدت لقاءات واجتماعات عديدة بين الفصائل في عواصم عربية، تَوصَّل بعضها إلى اتفاقات، لكن دون أن تجد طريقها للتطبيق على الأرض.