فلسطين أون لاين

تقرير "عرين الأسود".. هوية جديدة للشباب الفلسطيني المقاوم

...
مقاومون من مجموعات عرين الأسود بالضفة الغربية
غزة- نابلس/ عبد الله التركماني:

"بعد قليل بيان مقتضب".. بهذه الكلمات القليلة استطاعت مجموعة "عرين الأسود" في نابلس شمال الضفة الغربية إرباك حسابات دولة الاحتلال الإسرائيلي، وجذب انتباه أجهزتها الأمنية والعسكرية، معلنةً مقاومة فلسطينية جديدة، من جيل فلسطيني ناشئ، يرفض نهج التنسيق الأمني الذي تتبناه السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، إذ شكلت هذه المجموعة تحولًا نوعيًّا في أداء المقاومة في الضفة، من شمولية وخروج عن النسق المألوف.

ما يميز هذه المجموعة "عرين الأسود" المقاتلة للاحتلال الإسرائيلي، انتساب عناصرها لفصائل فلسطينية مختلفة؛ أبرزها: حركتا حماس والجهاد الإسلامي، وكتائب شهداء الأقصى، والجبهة الشعبية، وتتضمن أعضاء سابقين في أجهزة أمن السلطة المتمردين على سياسة الخنوع والرضوخ لاعتداءات الاحتلال ومستوطنيه المستمرة ضد شعبنا في الضفة.

بدايات "العرين"

بدأت بوادر عمليات هذه المجموعات منذ فبراير 2022، عندما لاحظت أجهزة أمن الاحتلال ارتفاعًا ملحوظًا في عمليات المقاومة، وإطلاق النار على أهداف عسكرية إسرائيلية في محيط نابلس، كان الزخم الأكبر من هذه العمليات في سبتمبر الماضي، إذ سُجِّلت 34 عملية إطلاق نار في نابلس وحدها.

نسبت (إسرائيل) هذا الارتفاع في عمليات المقاومة إلى مجموعة مسلحة صغيرة، تشكلت في المدينة على غرار "كتيبة جنين"، وتطلق على نفسها "كتيبة نابلس"، ومنذ ذلك الوقت قرر جهاز الأمن الداخلي في دولة الاحتلال (الشاباك) العمل ضدها، وتركيز جمع المعلومات عن أفرادها ومؤسسيها. 

اقرأ أيضًا: تقرير جثامين الشهداء.. قضية وطنية تتقدم سُلَّم أولويات "عرين الأسود"

ونفذت قوات الاحتلال سلسلة اغتيالات في صفوف المقاومين في نابلس، بدأت في تاريخ 8 فبراير، إذ اغتالت (إسرائيل) ثلاثة شبان، هم: أدهم مبروك (الشيشاني)، ومحمد الدخيل، وأشرف مبسلط، بعد ذلك اغتالت قوات الاحتلال في 24 يوليو مقاومين اثنين، هما: محمد العزيزي وعبد الرحمن صبح، ونجا المقاوم إبراهيم النابلسي من الاغتيال حينها، وفي 9 أغسطس، تمكنت قوات الاحتلال من اغتيال المقاومَين إبراهيم النابلسي وإسلام صبوح.

وقبل استشهاد النابلسي بدقائق، سجل وصية سريعة بأنفاس لاهثة وسط اشتباكه مع جنود الاحتلال، قائلًا: "بحياة عرضكم ما حدا يترك البارودة (البندقية)، بشرف عرضكم لا تتركوا البارودة".

وعقب هذه السلسلة من الاغتيالات، أُعلن رسميًّا انطلاق مجموعات عرين الأسود في 3 سبتمبر، في أثناء تأبين الشهيدين محمد العزيزي وعبد الرحمن صبح بعد مرور أربعين يومًا  على اغتيالهما، إذ نظمت المجموعة استعراضًا عسكريًّا جاب شوارع البلدة القديمة في نابلس، أُعلن أثناء العرض أنّ الشهيدين العزيزي وصبح هما مؤسّسا مجموعات "عرين الأسود".

وقرأ ملثم يتقدم عشرات المسلحين بيانًا للمجموعة، وقال: "بنادقنا لن تُصدر رصاصة في الهواء عبثًا، وجهتها الوحيدة هي الاحتلال"، وأضاف أنّ "إطلاق النار في الهواء خروج واضح عن الصف الوطني".

أيام قليلة مضت على هذه الانطلاقة حتى اعتقلت أجهزة أمن السلطة في 19 سبتمبر، أحد مؤسسي المجموعة الذي تتهمه دولة الاحتلال بتمويلها بمليون دولار، وتجنيد عناصر من أجهزة أمن السلطة لتنفيذ عمليات مقاومة، وهو "مصعب اشتية" أحد أهم المقاومين التابعين لحركة حماس في نابلس. 

وحاولت السلطة الفلسطينية إقناع قيادات العرين بتسليم أنفسهم وتفكيك المجموعة، وعرضت 70 ألف شيقل مقابل كل قطعة سلاح يتم تسليمها، و منحهم وظائف في أجهزة أمن السلطة، ولكنّ هذا العرض قوبل باستهزاء وسخرية من قادة العرين وعموم الفلسطينيين.

وتبع عملية اعتقال اشتية، تمكُّن قوات الاحتلال في 24 سبتمبر من اغتيال "سائد الكوني" أحد أبرز المقاومين في المجموعة. 

وفي 5 أكتوبر، اعتقلت قوات الاحتلال المقاوم سلمان عمران، وهو محرر من حركة حماس، بعد نفاد ذخيرته بعد خوضه اشتباكًا مسلحًا استمر ساعات في قرية دير الحطب شرق نابلس. وتنسب سلطات الاحتلال للمقاوم عمران تهمة الانتماء إلى مجموعة عرين الأسود، والمشاركة في عمليات إطلاق نار استهدفت قوات الاحتلال والمستوطنين، وإصابة عدد منهم.

فجر 23 أكتوبر، اغتال الاحتلال المقاوم تامر الكيلاني، وهو محرر من الجبهة الشعبية وأحد قادة مجموعة عرين الأسود، بعبوة جانبية في البلدة القديمة في نابلس.

وكان أشهر بيانات "عرين الأسود" العسكرية، ليلة اقتحام الاحتلال لمدينة نابلس في 25 أكتوبر، ووسط الاشتباكات التي كانت دائرة في المدينة قالت مجموعة العرين: "من أراد العز، فالعز هنا شامخ، بين حدٍّ وزناد، حان وقت خروج الأسود من عرينها، حيَّ على الجهاد".

وفي أثناء هذه الاشتباكات قتل جيش الاحتلال 6 فلسطينيين بينهم 5 من البلدة القديمة في نابلس، وهم: "وديع الحوح" أحد قادة عرين الأسود، وحمدي شرف، وعلي عنتر، وحمدي قيم، ومشعل بغدادي.

وأصدرت المجموعة بيانًا يصف مشهد الاشتباك، قالت فيه: إن القوة الإسرائيلية الخاصة "قُضي عليها بمعنى الكلمة، أطلقنا دفعات نارية كثيفة ومتتالية، وفجرنا عبوات كانت مزروعة سابقًا، وعملية قوات الاحتلال تركزت فقط على إنقاذ القوة الخاصة".

أبرز عمليات "العرين"

اتبعت مجموعة "عرين الأسود" تكتيكًا يمتزج بين الهجوم والدفاع، فبدل من انتظار اقتحام جيش الاحتلال البلدة القديمة في نابلس، أو اقتحام المستوطنين"قبر يوسف"، بادر مقاتلو العرين باستهداف الاحتلال في مواقعه العسكرية عند الحواجز ونقاط التماس المحيطة بمدينة نابلس، وكذلك المستوطنات المقامة في محيطها.

في 10 سبتمبر أعلنت مجموعة عرين الأسود مسؤوليتها عن تفجير عبوة ناسفة قرب مستوطنة "براخا" جنوب مدينة نابلس.

وفي 22 سبتمبر أعلنت المجموعة تنفيذ عمليتي إطلاق نار وإيقاع خسائر في صفوف قوات الاحتلال .

وفي 23 سبتمبر أعلنت المجموعة تنفيذ عملية إطلاق نار تجاه برج مراقبة في مستوطنة "براخا"، ما أدى إلى إصابة أحد منازل المستوطنة.

وفي 2 أكتوبر نفذت المجموعة عمليتي إطلاق نار استهدفت قوات الاحتلال، وحافلة للمستوطنين قرب مستوطنة "ألون موريه".

وفي 10 أكتوبر نفذت المجموعة عملية إطلاق نار على حاجز عسكري غرب مدينة نابلس قتل فيها جندي من جيش الاحتلال، وبعد ساعات قليلة تبنت المجموعة عملية إطلاق نار جديدة على قوات الاحتلال قرب مستوطنة "شافي شمرون" قرب نابلس.

وفي 11 أكتوبر استهدفت المجموعة قوات راجلة قرب مستوطنة "شافي شمرون" أسفرت عن إصابة جندي إسرائيلي.

اقرأ أيضاً: عرين الأسود: مقاتلونا يتصدّون لقوات الاحتلال المتوغلة في نابلس

في 16 أكتوبر نفذت مجموعة "عرين الأسود" عملية نوعية في منطقة نقطة المربعة، الفاصلة بين "طريق يستهار" الالتفافي وقرية "تل إستل" قرب نابلس، إذ ألقت المجموعة قنبلة يدوية غير محلية الصنع بين خمسة جنود إسرائيليين، لحقها إطلاق وابل كثيف من الرصاص أطلقه مسلحو العرين.

"العرين" في الفضاء الإلكتروني

توحيد عناصر من تنظيمات فلسطينية مختلفة تحت مسمًى واحد "عرين الأسود"، حفّز الشارع الفلسطيني على التفاعل مع الشهداء، ومشاركة صورهم، وإنتاج أناشيد تحمل أسماءهم. وحظي المطارد فتحي خازم "أبو الرعد" العقيد الخمسيني المتقاعد من أجهزة أمن السلطة الرافض سياسة التنسيق الأمني، ووالد الشهيدين رعد وعبد الرحمن بألقاب عديدة داخل المجموعة، مثل "الأب" و"نبع البطولة".

ظهور خازم "الأب" في جنازات الشهداء محاطًا بعشرات المقاومين، وبخطاباته المليئة بالكلمات الحماسية، والآيات القرآنية، والمفاهيم المرتبطة بالشهادة والصراع مع الاحتلال، كل ذلك مثَّل حافزًا كبيرًا لأفراد مجموعة "عرين الأسود" لتنفيذ المزيد من العمليات البطولية ضد الاحتلال.

تُشارك صفحات الفصائل الفلسطينية بيانات مجموعة "عرين الأسود" كافة، التي تحظى بتفاعل عشرات الآلاف من أبناء شعبنا، إذ عودت المجموعة متابعيها على جملة "بعد قليل بيان مقتضب"، قبل إعلان بياناتها الرسمية.

ويتابع قناة المجموعة على تطبيق تلغرام، أكثر من 200 ألف مشترك، وتعد المصدر الأول لأخبار عملياتها، وعن طريق هذا التطبيق دعت مجموعة عرين الأسود في 19 أكتوبر الأهالي في الضفة الغربية إلى الصعود في تمام الساعة 12:30 إلى أسطح المنازل؛ للتكبير ولتأدية التحية لبطل فلسطين عدي التميمي، منفذ عملية حاجز مخيم شعفاط في 8 أكتوبر، التي أدت إلى مقتل مجندة إسرائيلية وإصابة آخرين بجروح خطِرة، وعملية مستوطنة "معاليه أدوميم" في 19 من أكتوبر قبل أن يلقى ربه شهيدًا برصاص الاحتلال.

تكتيك مختلف

عقب سلسلة عمليات الاغتيال في صفوف قادة "عرين الأسود" قالت المجموعة، في بيان صحفي في 20 نوفمبر إنها "باتت تتعامل مع المحتل بتكتيك مختلف، فقد أخفت قادتها وجندها، ونتج عنه انقطاع المعلومات عن العرين، ولم يعد يعلم الاحتلال ولا معاونيه أي معلومة".

وناشدت "المواطنين عدم تداول أي صورة لأي مقاوم على وسائل التواصل الاجتماعي، أو حتى على الوسائل الخاصة"، وطالبت بعدم تصوير أي مقاوم، إضافة إلى ضبط كاميرات المراقبة المنصوبة أمام البيوت والمحال التجارية، وعدَّتها "أنها أصبحت سيفًا مسلطًا على رقاب المقاومين"، حسب البيان. 

كما كشفت المجموعة في البيان ذاته، عن استدراجها قوة إسرائيلية خاصة إلى داخل البلدة القديمة في نابلس، مشيرة إلى أنها أوقعتها في كمين محكم، وباغتتها بإطلاق نار كثيف، وتفجير عبوات ناسفة من ثلاثة محاور.

وبذريعة تصاعد عمليات العرين، فرضت (إسرائيل) وتحديدًا في 12 أكتوبر عقب العملية الأولى للشهيد عدي التميمي حصارًا مشددًا على نابلس ومخيماتها، ما زال متواصلًا حتى اليوم، لكن المجموعة المقاوِمة تؤكد في المقابل أنها هي مَن تحاصر المستوطنين.