"الركن الشديد" هي مناورات عسكرية تعودت فصائل المقاومة مجتمعة في غزة إجراءها في نهاية كل عام، فقد أجرت غرفة العمليات المشتركة أول مناورة في عام ٢٠٢٠، والثانية في عام ٢٠٢١، وهذه هي المناورة الثالثة على التوالي، ووفقًا لبيان الغرفة المشتركة، تأتي هذه المناورة العسكرية "لرفع الكفاءة والجاهزية القتالية لفصائل المقاومة لمواجهة التحديات والتهديدات"، وتبادل الخبرات من أجل تحقيق التجانس، وتوحيد المفاهيم، وسرعة تنفيذ المهام بكفاءة واقتدار؛ للتصدي للاحتلال والاستيطان والتهويد.
فقبل يومين انطلقت المناورة الثالثة "الركن الشديد" في نسختها الثالثة، بمشاركة الأجنحة العسكرية للفصائل المقاومة، المنضوية تحت قيادة "الغرفة المشتركة" التي تأسست عام ٢٠٠٦، وقد قدم كل فصيل ما لديه من معطيات وخبرات في آخر ما توصل إليه سواء على مستوى التخطيط، أو التصنيع، أو التكنولوجيا، للتعاون، والدقة والسرعة في التنفيذ وذلك في برامج مميزة ومكملة بعضها بعضًا من أهمها الهندسة والاتصالات، تأكيدًا لفكرة العمل المشترك ووحدة الصف للمقاومة، ووضع الفصائل أمام مسؤولياتها الوطنية من خلال التدريبات والمناورات العسكرية في ترسيخ فكرة الجيش الفلسطيني، بأن نواته غزة، على حد وصف السنوار.
على أي حال، تعد مناورات "الركن الشديد ٣"، أو جيش فلسطين، أو الجيش الوطني، أو جيش التحرير ..الخ من تلك المسميات التي أطلقتها الفصائل، وكلها تدلل على مدى نجاح العمل المشترك لفصائل المقاومة في غزة -وعلى خطاها تسير المقاومة في الضفة متمثلة بعرين الأسود- ليجسد هذا نوعًا من الوحدة الوطنية على الأقل في الجانب الميداني، في ظل حالة الانقسام السياسي والجغرافي الذي تشهده الساحة الفلسطينية لسنوات طويلة، وتركت أثرًا سلبيًا بالغًا على القضية الفلسطينية ما أدى إلى تراجعها على المستوى الدولي، وقد استغله الاحتلال الإسرائيلي في استمرار فرضه الحصار على قطاع غزة، واتباع سياسة التغول في الضفة الغربية بتكثيف الاستيطان واقتحام المسجد الأقصى المبارك اليومي من المتطرفين الصهاينة، إضافة إلى تهويد مدينة القدس بالكامل بعد إعلان ترامب نقل سفارة بلاده من "تل أبيب" إليها، وإلغائه حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
وكالعادة تحمل المناورات العسكرية رسائل تطلقها نحو طرف معين أو أطراف عدة، وذات أهداف وأبعاد سياسية للقريب والبعيد، وهذه المناورات المشتركة للفصائل المقاومة في غزة ما هي إلا لردع الاحتلال وإلزامه حده قبل التفكير بأي عدوان على غزة، كما أنها رسالة مطمئنة للمقدسيين بأن المقاومة جاهزة لأي سيناريو جديد قد يقدم عليه الاحتلال ضد المسجد الأقصى والقدس وبقية المقدسات، بأن عينها ساهرة ويدها طائلة وقواتها على أتم الاستجابة والجاهزية، في ظل تصديق "الكنيست" على عدة قرارات مشينة؛ مثل: النظر في قرار إعدام الأسرى، والتصويت على قرار توسيع صلاحيات المتطرفين أمثال؛ بن غفير، وغليك وسيموتريتش، وغيرهم من غلاة المستوطنين الذين تحتويهم حكومة نتنياهو الأكثر تطرفًا في تاريخ كيان الاحتلال على الإطلاق، والتي تتوعد بفتح كل أبواب الحرب والعدوان على شعبنا الفلسطيني في غزة والضفة وفلسطينيي الداخل المحتل، والتحريض ضد الأسرى، وزيادة وتيرة التدنيس للمسجد الأقصى المبارك والتخطيط لتقسيمه مكانيًّا وزمانيًّا تمهيدًا لهدمه وإقامة الهيكل المزعوم، إضافة إلى محاولاته للتغيير الديمغرافي في المدينة المقدسة وجوارها، وسرقة الأراضي في القدس، والأغوار، والنقب، وتوسيع المستوطنات وتطوير الشوارع الالتفافية التي تنهب مزيدًا من الأرض الفلسطينية، بحسب ما ينص عليه اتفاق نتنياهو مع أقطاب حزب "الصهيونية اليهودية" المتطرف.
لعل أهم رسالة بعثتها مناورات الغرفة المشتركة "الركن الشديد" هي الرد على التشكيك الإسرائيلي في قدرات الفصائل وحجم الضرر الذي أصاب البنية التحتية والقدرات العسكرية للفصائل خلال الحروب الأخيرة التي شنها على غزة، بأن المقاومة لا تزال بخير وقوتها متعاظمة ومتفوقة عسكريًا وتكتيكيًّا، ولديها ما يكفي من المخزون الإستراتيجي، لصد أي عدوان صهيوني محتمل.