فلسطين أون لاين

تقرير اكتئاب ما بعد الولادة.. هل يدفع الأم لقتل طفلها؟

...
صورة تعبيرية
غزة/ مريم الشوبكي:

تمر الحامل في شهورها التسعة بتغيرات فسيولوجية تنعكس على حالتها النفسية، وما إن تضع مولودها حتى تدخل بعض الأمهات في مرحلة اكتئاب ما بعد الولادة، التي تظهر على هيئة اضطرابات نفسية بسيطة في البداية، ويمكن أن تتطور وتصل إلى مرحلة الإصابة بمرض الذهان أو الانفصام.

قد تؤذي نفسها

ومرحلة الاكتئاب هي الأخطر على الأم وطفلها، فقد تدفعها نحو أذية نفسها، أو طفلها، وهي حالات غير شائعة الحدوث، ولكنها تقع إذا أهملت الأم من زوجها والمجتمع من حولها، ولا سيما إذا كانت تتعرض إلى مشكلات، وضغوط نفسية قبل الحمل وتفاقمت بعد الولادة.

فقد سمعنا كثيراً عن حالات قتل لأطفال وجهت أصابع الاتهام فيها للأم نفسها، كان آخرها في سبتمبر الماضي، حين أقدمت أم على قتل أطفالها الثلاثة في مدينة طوباس بالضفة الغربية، على خلفية إصابتها باكتئاب ما بعد الولادة.

اضطرابات نفسية

فهل يمكن أن يدفع اكتئاب ما بعد الولادة الأم إلى قتل أطفالها؟ يجيب مدير برنامج غزة للصحة النفسية د. ياسر أبو جامع: "هذه الأفكار الانتحارية غير شائعة الحدوث لدى النساء بعد الوضع، وإمكانية حدوثها بسيطة للغاية، لأن الأمهات عادة ما تتغلب عليها، ولكن بعضهن تتحول لديهن الاضطرابات النفسية إلى هلوسات سمعية وبصرية، وحينها تكون الأم غير مدركة لما يحدث حولها".

ويبين د.أبو جامع لـ"فلسطين" أن المرأة تتعرض إلى ضغوط نفسية منذ زواجها إذا تأخرت في الحمل، أو ضغوط  من الأهل لإنجاب ذكر، أو قد تكون الأسرة غير مهيأة لحدوث الحمل، فجميع هذه الضغوط إذا استمرت بعد الحمل قد تتطور.

ويوضح أن الحمل يُحدث تغييرات على جسد المرأة، جزء منها يتعلق بالهرمونات، إلى جانب ضغوط نفسية تكون قد تعرضت لها من مرحلة ما قبل الحمل، تبدأ بأعراض بسيطة ولكنها تتزايد إن كانت عملية الإنجاب معقدة، ما يصاحبها توتر وقلق نفسي، فيجعل المرأة غير قادرة على التعامل مع طفلها.

ويحذر د. أبو جامع من تطور الاضطرابات النفسية لـ"هلوسات"، وشعور المرأة باليأس والحزن، وعدم القيمة، وفقدان للشهية، أو زيادة مفرطة في الوزن، ومشكلات في النوم، دون أن يكون لها مبرر، ما ينذر بوجود مرض نفسي يجب التوقف عنده من قبل الأسرة وهو "الذُهان".

وعن الأعراض التي تصاحب الذُهان، يذكر أبو جامع أنه يصحبه إهمال شديد للطفل من قبل الأم، إضافة إلى عدم مقدرتها على أداء مهامها اليومية بعد التعافي، فتصبح في حالة عزلة دائمة، وعصبية، ومتقلبة المزاج، وتُفرط في البكاء.

ويشدد أبو جامع على أنه عند ملاحظة تلك الأعراض يجب الاستمرار بمراقبة الأم من زوجها وأفراد عائلتها، وعلى الفور يجب طلب المساعدة النفسية بعرضها على مختص ليحدد مرحلة العلاج إذا كانت مبكرة، وسيكتفي بالإرشاد النفسي، ولكن إذا دخلت في مرحلة مرضية سيضطر إلى العلاج الدوائي.

أسابيع وأشهر

وبدورها، تقول الاختصاصية النفسية تحرير أبو شرار: "تصاب واحدة من كل عشر نساء باكتئاب ما بعد الولادة، ويصاحبه عدة أعراض، منها القلق والحزن، والشعور بالإرهاق، والبكاء، مع انخفاض التركيز، وقلة النوم، والأرق، وقد يستمر اكتئاب ما بعد الولادة عدة أسابيع ويصل لأشهر".

وترجع أبو شرار في حديثها لـ"فلسطين" أسباب تعرض النساء لاكتئاب ما بعد الولادة، إلى تغيرات بالهرمونات، إذ ينخفض هرمون الاستروجين والبروجسترون بعد الولادة، ما يؤثر في آلية التفكير، ويحفز تقلب المزاج، إضافة إلى تغيير مواعيد النوم.

وتمضي بالقول: "كما أن من الأسباب أيضًا تعرض المرأة لأحداث صعبة في مرحلة الحمل، كالعنف الأسري، وعدم وجود أشخاص مساندين وداعمين في مرحلة الحمل والولادة".

وتنبه أبو شرار إلى أن اكتئاب ما بعد الولادة لا يترك ضررًا على الأم والطفل إذا عُولج وقُدم الدعم المناسب للأم، في حين تكمن الخطورة إذا تحول إلى "ذُهان"، وهي حالة نادرة تظهر أعراضها في أسبوع ما بعد الولادة.

وتلفت إلى أن علاماته تكون حادة وأعراضه أفكار وسواسية تجاه الطفل، واضطرابات في النوم و"هلوسات"، ومحاولة إيذاء النفس والطفل، قائلة: "هذا النوع هو الذي يؤدي إلى سلوكيات خطيرة قد تؤذي الأم والطفل، وقد تصل إلى القتل أحيانًا".

وتشدد أبو شرار على أن التدخل والعلاج المناسبين يكونان بالدعم النفسي للأم في مرحلتي الحمل والولادة، وما بعد ذلك تخصيص وقت للعناية بالنفس، والتواصل مع سيدات حديثات الولادة، وتجنب تناول أي منبهات في فترة الحمل.