تواجه القضية الفلسطينية داخليًّا وخارجيًّا تحديات جسيمة خلال العام المقبل 2023م، مع تفاقم تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية لا سيما أزمات الاقتصاد والطاقة على الصعيد الدولي، وإرهاصات انشغال المجتمع الدولي بأزمات متصاعدة مثل أزمة تايوان، والأزمة بين الكوريتين وغيرها من الأزمات التي بدأت تشغل حيّزًا أكبر من اهتمامات الإعلام الدولي على حساب القضية الفلسطينية ومعاناة الشعب الفلسطيني.
فعلى صعيد الاحتلال بات الشعب الفلسطيني في مواجهة حكومة يمينية صهيونية هي الأكثر عنصرية وكراهية للفلسطينيين منذ نشأة كيان الاحتلال، وهي الحكومة الفاشية التي يرفع وزراؤها المستوطنون علنًا شعارهم "الموت للعرب" بما يعنيه من سن تشريعات وقوانين وفرض سياسات وإجراءات عنصرية ضد الفلسطينيين في محاولة مستميتة لدفع من تبقى من الفلسطينيين إلى الهجرة من أرضهم تحت وطأة إجراءات الاحتلال القمعية، والعدوان المتواصل ضد الفلسطينيين وسط صمت دولي متواطئ في كثير من الأحيان.
ربما يجدر بنا نحن الفلسطينيين أن نقف مليًّا للتفكير كيف يمكن لنا مواجهة حكومة نتنياهو المقبلة، بدءًا من التصدي للمخططات العنصرية التي يجري الترويج لها، وفي مقدمتها التشريعات التي تمهد لإعدام الأسرى الفلسطينيين، وضم أراضي الضفة الغربية، وتمكين جنود الاحتلال من التسهيلات التي تُتيح لهم إطلاق الرصاص الحي بهدف قتل الفلسطينيين العزل بذرائع شتى، وتكثيف مخططات تهويد مدينة القدس، ومضاعفة اقتحامات المستوطنين اليومية للمسجد الأقصى، في مسعى صهيوني لفرض التقسيم الزماني والمكاني على الفلسطينيين، ونزع الوصاية الأردنية عن المقدسات الإسلامية في القدس.
اقرأ أيضًا: المسارات الفلسطينية المتوقعة سنة 2023 (1)
التحدي الأكبر الذي يواجه القضية الفلسطينية إلى جانب الاحتلال هو التحوّل المتسارع للسلطة الفلسطينية من كيان سياسي يفترض به أن يوفر الحماية اللازمة للفلسطينيين، ويمثلهم أمام المحافل الإقليمية والدولية، ويسعى لإقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس، إلى كيان أمني يخدم المشروع الاستيطاني للاحتلال في الضفة، في ظل الفشل الذريع والمُعلن لعملية التسوية السياسية، وتنكُّر الاحتلال للحقوق السياسية الفلسطينية، وتصعيد عدوانه ضد الشعب الفلسطيني، حيث قتل الاحتلال 230 مواطنًا وأصاب 9225 آخرين في عام 2022م، بحسب تقرير أصدره مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما هدم جيش الاحتلال في العام ذاته ممتلكات فلسطينية وصل عددها إلى 833 مبنى، فيما تعرّض الفلسطينيون العزل إلى 793 هجومًا مسلحًا من المستوطنين الصهاينة خلفت أضرارًا وإصابات بين الفلسطينيين، في ظل نكوص الأجهزة الأمنية الفلسطينية عن توفير أدنى حماية لأبناء الشعب الفلسطيني.
كما باتت العقيدة الأمنية لأجهزة السلطة الفلسطينية عقيدة مُشوهة ومُنحرفة عن المسار الوطني، حيث باتت تلك الأجهزة ترى في المقاومة الفلسطينية وأنصارها عدوًّا يجب اجتثاثه من الضفة المحتلة، وفي المقابل ترفض تلك الأجهزة تنفيذ القرارات المتكررة للمجلسين الوطني والمركزي بوقف التنسيق الأمني بأشكاله كافة مع جيش الاحتلال، كما ترفض قياداتها السياسية تعليق اعترافها السياسي بالكيان، وفق قرارات المركزي المذكورة، أو إنهاء التزاماتها بالاتفاقيات المبرمة معه، أو التحرّر من التبعية الاقتصادية لكيان الاحتلال، في ظل انصهار وتبعية كاملة لاقتصاد السلطة الفلسطينية مع اقتصاد الاحتلال.
وبالنظر إلى الأوضاع الداخلية للفلسطينيين، نجد أن استمرار الانقسام، ورفض قيادة السلطة إجراء الانتخابات العامة، ومشاركتها الفاعلة للاحتلال في الحصار الاقتصادي والسياسي لقطاع غزة، أسهم في مفاقمة معاناة الفلسطينيين، وضاعف المسؤوليات على كاهل فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة، التي باتت تسعى جاهدة للموازنة بين توفير لقمة العيش الكريمة للفلسطينيين لتعزيز صمود حاضنتها الشعبية، وبين مراكمة القوة العسكرية، وتطوير قدراتها المتنوعة استعدادًا للمواجهة المقبلة مع الاحتلال.
إنني أدعو القوى الفلسطينية الفاعلة إلى التوقف عن مناشداتها العقيمة لقيادة السلطة الفلسطينية بِطَي صفحة الانقسام، فالسلطة التي حسمت أمرها لصالح كيان الاحتلال بات قادتها منغمسين في معركة خلافة عباس، ومشغولين في جمع العناصر وتكديس الأسلحة، والتزلّف للاحتلال، استعدادًا لليوم التالي لانتهاء حقبة محمود عباس، لذا ينبغي المسارعة إلى تشكيل جبهة وطنية فلسطينية، تضم أحرار فلسطين من الداخل والخارج، ومن كل القوى والفصائل الفاعلة، وتعمل على انتزاع القرار والتمثيل الفلسطيني من تيار التنسيق الأمني الذي يصر على توجيه طعناته الغادرة للقضية الفلسطينية، ويشوه عدالة القضية بتخاذله وتعاونه مع المحتل أمام العالم أجمع.
إن التَكَيُّف الفلسطيني مع استمرار الحصار، يعني الإذعان لمخططات الاحتلال بخنق المقاومة، والقبول بمبدأ القتل البطيء للصمود الفلسطيني، والاستسلام لأهداف المحتل بالقضم الناعم للحاضنة الشعبية للمقاومة، لذا ينبغي العمل بقوة على إنهاء حصار غزة، وإنهاء عار التنسيق الأمني ومواجهة الزحف الاستيطاني المتواصل في الضفة، ومواجهة التهويد المنهجي لمدينة القدس، وإفشال مخططات التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، ودعم صمود أهلنا في الداخل المحتل في معركة الهوية، ومواجهة الجريمة المنظمة التي تغذيها أجهزة أمن الاحتلال.
وخارجيًّا؛ فإن مواجهة التطبيع وإفشال التحالف بين بعض الأنظمة القمعية العربية وكيان الاحتلال يُعدُّ التحدي الأبرز للقضية الفلسطينية، وهذا يتطلب تفعيل الساحات الخارجية، واستنهاض اللاجئين الفلسطينيين، ومضاعفة الجهود لعقد شراكات وتحالفات مع النخب والقوى الوطنية في المجتمعات العربية لتكثيف حملات مقاطعة الاحتلال، وفضح المتصهينين العرب، وإفشال محاولاتهم القذرة لتحسين صورة كيان الاحتلال وتبرئته من الجرائم التي ارتكبها -ولا يزال- ضد الشعب الفلسطيني والمقدسات الإسلامية والمسيحية.
ختامًا؛ فإننا اليوم ومع تصاعد الأزمات العالمية نحن بأَمَس الحاجة إلى مضاعفة الجهود الدبلوماسية والسياسية لإبقاء القضية الفلسطينية حاضرة وبقوة بين القضايا الدولية الساخنة، كما ينبغي لنا العمل على استثمار حالة التصدّع السياسي والمجتمعي داخل كيان الاحتلال، وفضح مخططات اليمين الصهيوني الذي بات اليوم يطبّق رؤيته الفاشية المتطرفة ضد الفلسطينيين على الأراضي الفلسطينية المحتلة.