قال الكاتب فيليب إيدوس المحاضر في كلية علوم الاجتماع والسياسة والدراسات الدولية في جامعة بريستول ببريطانيا إن الاتحاد الأوروبي وبعثته الشرطية بالضفة الغربية المحتلة يتعرضان لمزيد من الانتقادات، على خلفية دعمهما للسياسات القمعية للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة.
وأوضح إيدوس في مقال له أن الانتقادات تتعلق بقيام الاتحاد بتمويل شرطة مسيَّسة جداً وغير خاضعة للمساءلة ديمقراطياً، وإضفاء الطابع المهني عليها ومنحها شرعية.
واعتبر أن هذا الأمر يقف على طرف نقيض من قيَم السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، كما أنه بعيد كل البعد عن المقاربة التي وضعها الاتحاد لإصلاحات القطاع الأمني.
وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي وبعثته يصبحان متواطئَين بصورة مطّردة في الإبقاء على الوضع القائم، إذا استمر التراجع الحالي للسلطة الفلسطينية نحو السلطوية.
وفي الرابع من تموز/يوليو الماضي، أقدم المجلس الأوروبي على تمديد تفويض بعثة الشرطة الأوروبية حتى حزيران/يونيو 2018.
ويُشار إلى أن البعثة أُطلِقت في عام 2006 في إطار "السياسة المشتركة للأمن والدفاع" التي يعتمدها الاتحاد الأوروبي، وذلك دعماً لخريطة الطريق من أجل السلام التي وضعتها اللجنة الرباعية الخاصة بالشرق الأوسط.
ويلفت الكاتب إلى أنه "كان يُتوقَّع أن يؤدّي الدعم التقني الذي تؤمّنه بعثة الشرطة الأوروبية للإصلاحات الأمنية والقضائية، إلى تحسين الثقة الإسرائيلية بقدرة السلطة الفلسطينية على فرض القانون والنظام. كذلك، كان يُفترَض بتعزيز الأمن الإسرائيلي أن يمهّد بدوره الطريق أمام قيام دولة فلسطينية ديمقراطية وقابلة للحياة."
واعتبر أنه من وجهة النظر التقنية، نجحت البعثة في إضفاء الطابع المهني على الشرطة المدنية الفلسطينية عن طريق برامج بناء القدرات، والتدريب المحلي والدولي، وتأمين آليات ومعدات أفضل، والمساهمة في البنى التحتية الصلبة والناعمة لحفظ الأمن والنظام (مثل كاميرات مراقبة حركة السير، وبرامج مراقبة الأدوية، ومراكز الشرطة).
كذلك حقّقت البعثة نجاحاً محدوداً في الإصلاحات القضائية عبر تأمين الدعم التقني والمشورة لوزارتَي الداخلية والعدل، ومجلس القضاء الأعلى، ومكتب النائب العام، وهيئة مكافحة الفساد الفلسطينية، ونقابة المحامين الفلسطينيين.
وبالاشتراك مع مانحين آخرين، ساعد الاتحاد الأوروبي وبعثته السلطة الفلسطينية على استعادة السيطرة المدنية والأمنية في أجزاء من المنطقة (أ) في الضفة الغربية المحتلة.
أنموذج التنسيق الأمني
وقال الكاتب إنه على الرغم من التردّد الذي أظهرته دولة الاحتلال في البداية في السماح للاتحاد الأوروبي بتأدية دور سياسي أكثر أهمية في المنطقة، إلا أنها أقرّت بالإنجازات التقنية لبعثة الشرطة الأوروبية، إدراكاً منها بأنه بإمكان البعثة أن تجعل السلطة الفلسطينية أكثر فاعلية في حفظ الأمن والنظام في الضفة الغربية، وشريكاً أكثر موثوقية في سحق المعارضة والتصدّي للتمرد.
وأشار إلى أن (إسرائيل) تعد بعثة الشرطة الأوروبية جزءاً لا يتجزأ من أنموذج التنسيق الأمني الذي جرى تصميمه وتنظيمه في شكل أساس من أجل الحفاظ على أمن الإسرائيليين. وقد استمرت دولة الاحتلال في الإمساك بزمام الأمور عبر احتفاظها بالقرار حول أنواع المعدات والتدريبات التي يُسمَح للشرطة الفلسطينية بالحصول عليها.
وتنسق السلطة الفلسطينية من خلال أجهزتها الأمنية مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، فيما تمارس الاعتقالات السياسية على نطاق واسع في صفوف حركتي حماس والجهاد الإسلامي على وجه الخصوص ونشطاء من تيارات أخرى ومستقلين.
إستراتيجية فاشلة
وأكد الكاتب أن إستراتيجية الاتحاد الأوروبي في استخدام بعثة الشرطة الأوروبية لتمهيد الطريق أمام قيام دولة ديمقراطية وقابلة للحياة عبر بناء قدراتها الأمنية، باءت بالفشل. فبدلاً من إجراء إعادة تقويم لهذا الجانب تحديداً، يصرّ الاتحاد الأوروبي على أن للبعثة تفويضا تقنيا محضا.
وأضاف أنه في حين أن الاتحاد الأوروبي يمتنع بشكل عام عن دعم الأجهزة الأمنية التي يُعرَف عنها انتهاكها لحقوق الإنسان، مثل جهاز الأمن الوقائي وجهاز المخابرات العامة اللذين يحظيان برعاية أميركية، فإن الشرطة المدنية الفلسطينية المدعومة من الاتحاد الأوروبي متورّطة أيضاً في اللجوء المفرط إلى القوة ضد التظاهرات السلمية.
وأشار إلى أن عددا كبيرا من الفلسطينيين يخشون أن الهدف الأقصى لإصلاح القطاع الأمني الفلسطيني بقيادة أوروبا والولايات المتحدة هو إسكات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي أو تجريمها.
وتابع أنه وفقاً لهذا الشعور المتنامي، هذا القمع ناجمٌ مباشرةً عن استخدام صناديق المساعدات الدولية للتعاقد من الباطن مع السلطة الفلسطينية كي تقوم بما يطلبه الاحتلال الإسرائيلي.
وكان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، وجه رسالة عاجلة إلى مفوض سياسة الجوار الأوروبي، ومفاوضات التوسع "يوهانس هان" وفريقه، دعاهم فيها إلى التداعي العاجل لبحث انتهاكات السلطة الفلسطينية لحرية التعبير وممارسة العمل الصحفي في الأراضي الفلسطينية.
وطالب المرصد الأورومتوسطي ومقره جنيف في رسالته بإعادة تقييم الاتفاقيات التجارية والدعم المالي للبرامج والمشاريع مع السلطة في إطار سياسة الجوار الأوروبي، وضمان توافقها مع واجب احترام وحماية حقوق الإنسان.
وحث الاتحاد الأوروبي على ضرورة الضغط والتدخل لإنهاء الانتهاكات التي تمارسها الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية ضد الصحفيين الفلسطينيين خاصة وأن الاتحاد الأوروبي هو أكبر مانح للمساعدات المالية للسلطة.

