من عائلة لها تاريخ نضالي بدأ منذ عهد انتفاضة الحجارة، عبدت بدماء أبنائها طريق حرية الشعب الفلسطيني، لم تنفصل عن هموم الوطن، اعتقل الاحتلال أشقاءها سنوات طويلة، لتعكس الأسيرة عطاف جرادات معاناتها في تربية أبنائها على حب فلسطين والفداء والتضحية لها، فدفعت الثمن مبكرًا باعتقال أولادها عدة مرات، قبل أن تصبح هي الهدف الأول للاحتلال الإسرائيلي، فغيبتها السجون معهم.
اعتقل الاحتلال الأسيرة جرادات التي أصبحت خنساء فلسطينية جديدة، في 27 ديسمبر/ كانون الأول 2021 في سجن "الدامون" ولا تزال معتقلة بزعم وجود "ملف سري"، وقبل اعتقالها بأسبوع اعتقل الاحتلال أبناءها: عمر (21 عامًا)، وغيث (18 عامًا) في سجن "مجدو"، وفي شهر مارس/ آذار 2022 اعتقل الاحتلال ابنها منتصر (33 عامًا) في سجن جلبوع، ولديها 9 أبناء (6 ذكور و3 إناث) وهي من بلدة "السيلة الحارثية" غرب جنين.
تُهدد أحكام السجن المؤبد أبناءها الذين يتهمهم الاحتلال بالمشاركة في تنفيذ عملية إطلاق النار قرب مستوطنة "حومش" المخلاة منتصف ديسمبر/ كانون الأول نفسه، التي أسفرت عن مقتل مستوطن وإصابة آخرين.
الرسائل المكتوبة
وعلى الرغم من أن الاحتلال غيَّبها خلف سجونه فإنها لم تنفصل عن هموم بلدتها، فامتلكت سلاح "الرسائل المكتوبة" التي ترسلها بين الفينة والأخرى متجاوزةً قضبان الاحتلال.
في رسالتها لعائلتها بعد هدم منزلها في مارس/ آذار الماضي قالت: "نحن في سجون الاحتلال نستمد القوة والعزة والثبات من صمودكم وتكاتفكم، ولن يكسرنا هذا العدو الغاشم، ولن يكسر عزيمتنا، ولن تُرفع للظالمين راية، ولن تحقق لهم غاية، وستبقى كلمة الله هي العليا، أهلي وإخوتي وأبنائي ووطني وشعبي اعتصموا بحبل الله جميعًا".
وأردفت في رسالتها: "على الرغم من الألم كنت أتمنى أن أكون بين أبنائي وأهلي، والوقفة المشرفة التي شاهدناها من أبناء شعبنا في كل المناطق رفعت عزيمتي وصمودي وصبري، والحمد لله حتى يبلغ الحمد منتهاه، وبإذن الله لن يتوقف هذا الصمود والجهاد حتى تحرير الأقصى، ورفع راية الإسلام".
جرادات التي تشابهت في المعاناة مع الحاجة لطيفة أبو حميد "أم ناصر"، بعثت رسالة للخنساء الأم الملقبة بـ "سنديانة فلسطين" تُعزيها باستشهاد نجلها الأسير ناصر في سجون الاحتلال، قائلة: "صبرًا يا أم المجاهدين، صبرًا يا أم الأبطال، يا أم الشهداء، يا خنساء فلسطين، صبرًا إن موعدكم الجنة".
حياة التشرد
في الخارج لم تقل معاناة أبنائها أسد الله، ومحمد، والمقدام ووالدهم أحمد عن معاناتها داخل السجن، عاشت العائلة مفتقدة وجودها في كل تفاصيل حياتهم، يقول أسد الله لصحيفة "فلسطين": "الأم بالبيت هي الأساس، نفتقدها بكل لحظة في حياتنا، خاصة أنها من الأمهات التي كانت تهتم بكل أولادها، في ذكرى غيابها الأول نتذكر التفاصيل التي كنا نعيشها قبل اعتقالها".
زار أسد الله جرادات والدته في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ينقل عن معنوياتها: "هي صابرة محتسبة، لديها عزيمة قوية نستمدها منها، لكنها قلقة على أبنائها في السجون، لكونها محرومة من رؤيتهم ولا تعرف مدد أحكامهم، ولا حتى حكمها هي".
يواجه نجلها غيث حكم السجن المؤبد، بذريعة المشاركة بالعملية "قرب مستوطنة حومش"، أما عمر ومنتصر فعلى الرغم من نفيهما العلم بتفاصيل العملية فإن الاحتلال يعتقلهما ويعاقبهما.
بعد مرور 14 ساعة من اعتقال أبناء جرادات، قدمت قوات الاحتلال إلى منزل العائلة لأخذ قياساته، حتى حصل الهدم في مارس/ آذار الماضي.
اقرأ أيضاً: تقرير عطاف جرادات تحيي يومها العالمي في السجون على وقع تفجير منزلها
يستذكر أسد الله صورًا من معاناة التشرد: "عشت عند أقرباء لنا في ظروف صعبة، وأجواء باردة، وعندما عدت إلى المنزل بعد تفجيره تضررت شقتي واستغرقت مدة في إصلاحها حتى استقررت فيها".
يتساءل بقهر: "ما ذنب البيت ليهدم، ونتشرد ونتعرض لكل أشكال العقاب؟".
اعتقال الاحتلال للأسيرة جرادات لم يكن نهاية حكاية الصبر والصمود، ابنها يلفت إلى أن خاله محمد جرادات كان من أوائل المعتقلين في الانتفاضة الأولى، وأن والده اعتقل عام 2002، وقدمت العائلة عدة شهداء منهم منفذا العمليتين الاستشهاديتين وهما رغاب جرادات (منفذ عملية حيفا عام 2002) وهنادي جرادات (نفذت عملية عام 2003)، والشهيدان صالح ونبيل جرادات.
يمتزج صوته بالفخر: "ربتنا والدتي منذ الصغر على حب فلسطين على الرغم من المعاناة والثمن، فجربنا الاعتقال، وتعودنا على حياة السجون، وصبرنا على ذلك، وأصبحت أمي نموذجًا للمرأة الفلسطينية الصابرة، كحياة النساء في زمن النبي والصحابة يضحين ويجاهدن ويربين الرجال".