لم تفقْ عائلة عزام أبو عصب من صدمة هدم جزء من البيت، ليلاحقها هدم ما تبقى منه كعشرات العائلات المقدسية التي تواجه مصيرًا مماثلًا دون أن تحيد عن طريق القدس.
قبل ثمانية أعوام عكف عزام على تجديد البناء القديم الذي يسكنه وترميمه وتوسعته بتكلفة قاربت على 200 ألف شيقل إلى جانب تجديد بعض أثاث البيت، لتصل إليه لاحقا ورقة للحضور إلى بلدية الاحتلال التي حولت أوراقه للمحكمة وطلبوا منه هدم التوسعة أو تحمل العواقب.
اقرأ أيضاً: تقرير المقدسي "أبو رجب".. ملاحقات لهدم بيته والمستوطنون ينعمون بالتوسع الاستيطاني
يقول عزام إنه استجاب لقرار المحكمة مضطرًا، فهدم ما عمل على ترميمه في 29 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تحت تهديد تحمل تكاليف هدم بلدية الاحتلال في القدس للمنزل، ليذوق بعد أقل من شهر الأمرّين معًا.
فبعد هدم الجزء الأول من البيت حاولت العائلة المكونة من تسعة أفراد التأقلم على مساحة البيت الصغيرة، وأن يستوعبوا بعضهم بعضًا، لكن ذلك لم يدُم طويلًا، فبعد أسبوعين عاشوا معاناة الهدم مرة ثانية وضاقت بهم الأرض إلا من ساحة القدس التي ملأت قلوبهم وإن اجتمعوا في غرفة واحدة.
يوضح عزام أن ما يقارب 40 جنديًّا إسرائيليًّا مدججين بأسلحتهم، وبرفقتهم 20 عاملًا للهدم وللعتالة، اقتحموا في 16 نوفمبر/ الماضي، منزله لأجل هدم ما تبقى من البيت دون السماح لهم بتفريغه أو إعطائهم أي مهلة زمنية، وشرعوا في تكسير الأبواب والاعتداء على من في البيت من شباب ونساء دون اكتراث منهم لحرمته.
يقول أبو عصب: "حمدنا الله أن بقي لنا غرفة واحدة من البيت ليؤوينا من برد الشتاء القادم، وما زاد الطين بلة أن الأمر لم يقتصر على هدم البيت، بل تم السطو عليه وسرقة 3 آلاف شيقل، وهدايا غالية الثمن لابني، وجهاز لوحي خاص بابنتي".
دين عالق
حالة الصمود التي تعيشها عائلة عزام لا تخلو من كدرات مضاعفة تؤلم عزامًا، فهو لم ينتهِ بعدُ من سداد أقساط البيت، واصفًا الأمر بالصعب وليس بالهين، "يهدم بيتك بيدك أو أمام عينيك في المرتين، تشعر وكأن قلبك يرفع من جسده، وعلى الرغم من ذلك سنبقى مرابطين في أرضنا وبلادنا نعمر فيها ما حيينا".
اقرأ أيضاً: تقرير المقدسي عبيد يذوق مرارة الهدم مرتيْن خلال عدة أشهر
التضييق ضد المقدسيين، وأكثرها إيلامًا وإرهاقًا لكاهل الأهالي هي عمليات الهدم، وتزداد الأمور سوءًا حين تهدم آليات الاحتلال المنزل لتضطر العائلات إلى دفع غرامة مالية باهظة، أو أن يكون المقدسي أمام خيار أصعب وهو الهدم القسري بيديه.
ويبين أن بلدية الاحتلال تفرض رسومًا باهظة لترخيص المنازل تصل إلى نصف مليون شيقل، زيادة على تكاليف البناء، وذلك بهدف دفع المقدسي لترك بيته والسكن في مناطق أخرى بعيدة عن مدينة القدس سعيًا لتفريغها.
ويشدد عزام على أن خيار ترك القدس ليس واردًا، وأنه سيواصل البحث عن بيت صغير قرب المسجد الأقصى يؤويه وعائلته، "للحفاظ على وجودنا وخاصة في منطقة باب العمود، وليتعلق أبنائي فيه كما تعلقت به من قبلهم".
أما زوجته غدير التي حاولت استيعاب صدمة صغيراتها يوم عادوا من المدرسة ووجدوا ألعابهم أثرًا بعد عين، فتقول إنهم انصدموا من الهدم الثاني، "وصاروا يبكون، لا أستطيع وصف وضعهم ومشاعرهم، فجميعنا حاولنا التأقلم مع صعوبة الوضع بعد الهدم الأول لنصطدم بالثاني".
وتضيف: "هدم الاحتلال البيت وضاعت معه الأحلام والذكريات، وينغص علينا حياتنا بكل ما أوتي من قوة، ولكن ذلك لن يثنينا عن طريق القدس".