ما زال الاقتصاد الفلسطيني بمكوناته المختلفة، بحاجة إلى تدخلات سريعة، لتعزيز صموده، وتنميته، كدعم الإنتاج الوطني، وحمايته من تغول المنتجات المستوردة، وتنشيط المناطق الصناعية، وإنشاء مناطق تجارية حرة، وعقد اتفاقيات دولية لاستيعاب العمالة الفلسطينية الماهرة، إلى جانب ضرورة مكافحة أوجه الفساد وهدر المال العام.
كما يحتاج الاقتصاد وفق ممثلين عن القطاع الخاص واقتصاديين إلى راسمي سياسات وخطط ناظمة في المجالات الاقتصادية المتنوعة، وتعزيز العملات الرقمية لتجاوز العقبات الإسرائيلية، وتدخل دولي لرفع الحصار الاقتصادي عن غزة، وإلى إنشاء صندوق لدعم القطاع الخاص.
وأكد مدير مركز التجارة الفلسطيني بال تريد بغزة محمد سكيك، أهمية دعم الإنتاج الوطني، وتخصيص مساحة مناسبة له في السوق، وشمله في العطاءات الحكومية المطروحة، لأن ذلك الاهتمام يزيد معدل الناتج المحلي ويخفض من نسب البطالة، مشيراً إلى مواكبة منشآت صناعية التطور وحصول عدد منها على شهادات الجودة العالمية.
وأهاب سكيك في حديثه لصحيفة "فلسطين" بالمؤسسة الرسمية إلى حماية الإنتاج الوطني من تغول المنتجات المستوردة التي لها بديل محلي، وتقديم حوافز تشجيعية لتطويرها، ومساعدة المنتجين والمصنعين على إيصال منتجاتهم إلى الأسواق الخارجية.
وتطرق سكيك إلى الفوائد الاقتصادية الجمة العائدة من تفعيل المناطق الصناعية، وأهمية رفدها ببنية تحتية، وطاقة دائمة، مشيراً إلى دور المناطق التجارية الحرة في تحريك عجلة الاقتصاد الفلسطيني نحو الأمام.
ويذهب سكيك إلى مسار تعزيز التعاون الفلسطيني العربي، لاستيعاب العمالة الفلسطينية الماهرة، خاصة من قطاع غزة الذي يعاني ارتفاع نسب البطالة والفقر، في وقت أن نسبة عالية من حملة الشهادات الجامعية عاطلون من العمل.
ولم يغفل أهمية ربط المؤسسات الأكاديمية مخرجاتها باحتياج سوق العمل، وتحديث مناهجها وأدواتها التعليمية.
وحسب مسح لمنصة المنقّبون، فإنّ نسبة البطالة في السوق الفلسطينية، وفق المعنى العام لمفهوم البطالة، بلغ 35% في الربع الثاني 2022.
من جهته، دعا نائب رئيس اتحاد الصناعات الإنشائية علي الحايك إلى تعويض المنشآت الصناعية والتجارية من الأضرار التي لحقت بها في الحروب السابقة، مبيناً أن عددًا منها ما زال متعطلًا لعدم قدرة أصحابها على النهوض مجدداً، وعددًا آخر منها اضطر إلى الاستدانة للبدء من جديد ولكن بطاقةٍ أقل من المعتاد.
ونبه الحايك في حديثه لصحيفة "فلسطين" إلى حاجة القطاع الخاص إلى إنشاء صندوق تساهم فيه المؤسسات الحكومية والمالية والمصرفية وأيضًا الجهات المانحة لتقديم العون والمساعدة للمتعثرين والمتضررين.
وتكشف البيانات التاريخية للميزانية الفلسطينية الصادرة عن وزارة المالية برام الله، أن المنح الخارجية تراجع بأكثر من 82% في الفترة بين 2013 حتى العام الجاري.
وطالب الحايك المجتمع الدولي بالضغط على سلطات الاحتلال لإدخال المواد الخام إلى قطاع غزة، والآليات والمعدات اللازمة لتطوير الصناعة وعدم التذرع بالمنع الأمني.
ويؤكد الاختصاصي الاقتصادي د. هيثم دراغمة، أن التنمية الاقتصادية بحاجة إلى شخصيات قادرة على رسم سياسات في المجالات الاقتصادية المتنوعة ووضع خطط ناظمة، لا أن يُعمل بصورة عشوائية ارتجالية.
ولفت دراغمة الانتباه إلى الحاجة الماسة إلى تعزيز الجانب الزراعي في فلسطين، والصناعة خاصة القائمة على المنتجات الزراعية، وزيادة الموازنة العامة المخصصة للزراعة والصناعة.
ودعا دراغمة في حديثه لصحيفة "فلسطين" إلى الاعتماد على العملات الإلكترونية، وتشجيع التوسع في علمها في مختلف الأنشطة خاصة التجارية، في محاولة للتغلب على عراقيل الاحتلال التي يضعها أمام تدفق الأموال إلى فلسطين وتجاوز نقص السيولة النقدية.
وحسب وزارة المالية برام الله صعد إجمالي قيمة الدين العام والمتأخرات المستحقة، إلى 31.7 مليار شيقل، بنهاية 2021، مقارنة مع 28.4 مليار شيقل بنهاية 2020.
وعرج دراغمة في حديثه إلى أوجه الفساد وتداعياته السلبية على الاقتصاد الوطني، وتغيب الفرص المتكافئة، وعدالة التوزيع، وارتفاع معدل الدين العام.
وشدد دراغمة في حديثه على ضرورة الانعتاق من اتفاق باريس الاقتصادي الذي كبل الاقتصادي الفلسطيني وجعله تابعاً للاقتصادي الإسرائيلي.
و"اتفاق باريس" هو أحد ملاحق اتفاقية غزة-أريحا، ووُقع في 1995، في حين ينص على أن تجمع دولة الاحتلال الضرائب والرسوم الجمركية المستحقة للسلطة الفلسطينية، ثم تحولها إلى السلطة، إضافة إلى أنه يحدد غلافاً جمركياً، وكوتا للسلع المسموح باستيرادها من الخارج، إلى جانب أمور أخرى.
وحاول الفلسطينيون في السنوات الماضية تعديل الاتفاق المضر بالمصالح الاقتصادية الفلسطينية؛ باعتبار أن تل أبيب تتصرف في الأموال التي تجمعها بالشكل الذي تريد، وأن الكوتا المتعلقة بالاستيراد مجحفة.
ووفق بيانات الجهاز المركزي للإحصاء، بلغت قيمة العجز التجاري الفلسطيني مع دولة الاحتلال نحو 705 ملايين دولار، في الربع الأول من العام الجاري 2022، بنسبة نمو بلغت 4.4% على أساس سنوي.