تشهد الضفة الفلسطينية المحتلة هذه الأيام تصاعدًا لافتًا لحالات الاعتقال والاستدعاء والتعذيب وامتهان كرامة الإنسان الفلسطيني المقاوم، كما لم يحدث من قبل.
وقالت مجموعة "محامون من أجل العدالة في فلسطين"، إن هذا العام، وتحديدًا خلال الأسابيع الماضية، تحققت أرقام قياسية للمعتقلين على خلفية سياسية، بما يزيد على 500 حالة تعرض لها نشطاء فلسطينيون، على نحو لم تشهده الضفة منذ تأسيس سلطة عار أوسلو عام 1994م، ولقد أكدت المجموعة الحقوقية أن الحريات العامة تدهورت تدهورًا زائدًا، وأصبحت أكثر سوءًا.
من جانبها أدانت حركة حماس "حملة الاعتقالات السياسية"، وقد أشارت إلى أن قوات الاحتلال والسلطة الفلسطينية تَشُنّانها بالتزامن على عناصر الحركة، وقد ازدادت وتيرة ذلك بالتزامن مع الذكرى الـ35 لانطلاقة "حماس"، التي احتفل بها الشعب الفلسطيني الشهر الفائت.
كما أعلنت الحركة أن الجماهير العريضة ستبقى حاضنة لمشروع المقاومة، وأن محاولات السلطة المستميتة لوقف ذلك، ليست إلا محاولات بائسة وفاشلة. كما أشارت "الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان" إلى هذه الحملة من الاستدعاءات والاعتقالات بحق الناشطين والطلبة الجامعيين المنتمين وأصدقاء حركة "حماس"، ووثقت "الهيئة"، استدعاء العشرات، وتوقيف عدد منهم، وأن هذه العمليات لم تزل مستمرة في الكثير من المحافظات.
وذكرت "الهيئة"، أن العشرات يتعرضون لاعتداءات متكررة، وهي تنظر "بخطورة بالغة إلى الطريقة التي جرى فيها تنفيذ بعض الاعتقالات، وما رافقها من استخدام للقوة المُفرطة، في التعامل مع عائلات المعتقلين وترويعهم، الأمر الذي يستدعي تحقيقًا في هذه الحالات".
كما أكد موقع "الشاهد" الإلكتروني، أن مصادر في أجهزة السلطة، كشفت له أن قيادة أجهزة الأمن طلبت من القيادات الميدانية التأكيد على عناصرها أن عدوهم الوحيد هو "حماس"، وليس الاحتلال!
وأكدت المصادر الأمنية أنها تخشى من اشتعال الأوضاع أكثر فأكثر في الضفة المحتلة، ومن ثَم خروج عدد من أفراد الأجهزة الأمنية وانخراطهم في المقاومة المسلحة للاحتلال إسنادًا لفرسان الجهاد الوطني ولشعبهم و"تمردهم" على عقيدة التخابر مع عدو دموي مجرم.
وتشير مصادر عليمة في الأجهزة الأمنية لعباس وزبانيته أن "القيادة"، رفعت وفَعَّلَت الإجراءات العقابية، ضد كل من يثبت اشتراكه أو مساندته للمقاومة بالفعل أو بالحديث أو بالكتابة عبر منصات التواصل الاجتماعي، وذلك بالفصل النهائي أو التوقيف أو الاعتقال، أو بهذه العقوبات معًا.
ويرى شعبنا الفلسطيني، وبأم العين، أن قطعان عباس يتابعون انتهاك حُرُمات البيوت، وإنزال الرايات الخضراء التي تعلو المنازل وأعمدة الكهرباء، وحملات الاعتقالات غير المسبوقة التي تغطي كل الضفة، وقد تكرر استدعاء كُثر من النشطاء وبشكل متزامن من أجهزة السلطة ومن قوات الاحتلال.
وقامت أجهزة ماجد فرج بتشكيل "خلية أزمة" تعمل على مدار الساعة وبتنسيقٍ واجتماعات مشتركة مع هيئات العدو الأمنية لمواجهة التطورات المتسارعة لوحدات وكتائب المقاومة المسلحة التي باتت تملأ ضفة القسام من أقصاها إلى أقصاها.
وتعليقًا على أوضاع سلطة المقاطعة، كتب الصهيوني يوني بن مناحيم في موقع "نيوز"، أن رئيس السلطة، أبو مازن، البالغ من العمر 88 عامًا، يعيش مأزقًا سياسيًا حادًا، ويرى الكاتب أن السلطة لا أفق سياسيًا لها، وأنها اليوم خاوية الوفاض في ركونها إلى دور أمريكي خذلها في كل التفاصيل، فَلَم تَفِ إدارة بايدن بأي من وعودها، فهي لم تتراجع عن إغلاق المكتب الإعلامي لمنظمة التحرير في واشنطن، ولم تُعلن عن نقل القنصلية الأمريكية إلى القدس الشرقية، وهي غارقة حتى أُذنيها بالقتال في حرب الغرب ضد روسيا على الأراضي الأوكرانية، وفي الحرب الباردة على الجبهة الصينية وعلى المحور الروسي الصيني إلى جانب تورطها في الرمال المتحركة للملف النووي الإيراني بكل امتداداته الجيوسياسية في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين وجنوبًا حتى اليمن مرورًا بالنفط وتداعياته وممراته في الخليج العربي وباب المندب.
وبحسب المعطيات التي يرتجف أمام زحفها جيش العدو النازي من عمليات لا تتوقف لثوار الضفة في أركانها الأربعة، فإن سلطة عباس تحت وطأة ضغط وابتزاز شديدين يمارسهما أسيادها الصهاينة وقد نجحت الحاضنة الشعبية الفلسطينية المتعاظمة في تقويض الوضع الأمني ونفضت غبار قبضة المتخابرين.
إعلام العدو، لا يَمَلّ تكرار أن سلطة عباس تفقد دعم الأغلبية العظمى من الجمهور الفلسطيني الذي ينظر إلى سوائبهم كمقاول أمني، وحكومة فاسدة ودكتاتورية.
وتقول جريدة "هآرتس" العبرية، أن (تل أبيب) تتعمد الإعلان صراحةً، أن أي اعتقال أو اغتيال تقوم به يجري بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية، بل وتعتبر أن جوهر ما سُمي بــ "اتفاق أوسلو"، هو أمني بامتياز، وأن ذلك هو الشاهد الوحيد على وجوده، والذي تؤكده كل الوقائع الجارية على الأرض منذ ثلاثة عقود ونيف، ويشكل الضمانة لاستمرار ومبرر وجود سدنة السلطة وفتات "الامتيازات" والرِّشا التي يتلقونها بالقطعة لحفظ أمن المستوطنات وقاطنيها.
وتكشف وثائق مُسرَّبة حول التخابر الأمني، عن مدى تورط السلطة في مستنقع الدور المُناط بها، وقد ذكر وبكل جلاء أمين سر اللجنة التنفيذية السابق والراحل صائب عريقات في تصريح قال فيه: "لقد استثمرنا وقتًا وجهدًا، وحتى قتلنا من أبناء شعبنا، لأجل حفظ النظام، وحكم القانون، نحن نجتهد للقيام بمهامنا".
أما عباس فلا يملُ من تكرار أنه "ملتزم باستمرار التنسيق الأمني بمعزل عن تمديد أو نجاح المفاوضات"، وهو انضباط يصل حد "القداسة"، حتى يُصبح مكونًا عقديًا حين يرى "أن (إسرائيل) وُجدت لِتبقى"، وهو ما لم يقله حتى نتنياهو.
ويتفق أمين عام حركة "المبادرة الوطنية" مصطفى البرغوثي مع أن "التنسيق الأمني يكاد فعلًا أن يكون الناجي الوحيد من أوسلو والاتفاقيات الأخرى"، على فرض أنها تحوي غير التخابر الأمني الذي يؤكده العدو صُبح مساء.
وقال رئيس الدائرة السياسية لحركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي في حديث لقناة "الأقصى" الفضائية إن الاحتلال صنع من السلطة في رام الله المحتلة كيانًا يخدم مصالحه فقط، في الوقت الذي تعتبر فيه المؤسسة الأمنية للعدو وتقوية السلطة مصلحة صهيونية خالصة.
وتُسجلُ مؤسسات المجتمع المدني المختصة بحقوق الإنسان، أن الأجهزة الأمنية ارتكبت أكثر من 450 انتهاكًا أمنيًا بحق شعبنا الفلسطيني في ضفة العياش خلال الأسبوعين المنصرمين تمثلت بالاعتقالات، والتوقيف، والتعذيب ومصادرة السلاح، وانتهاك حُرمات بيوت المقاومين والنشطاء والطلاب والأسرى المحررين.
حملات مسعورة لسلطة تترنح، تتقاطع مع هجمات لقطعان جيش الاحتلال، لإنجاز هدف واحد مُستحيل، وهو وقف إرهاصات انتفاضة شعبية عارمة، ومقاومة مُسلحة على حاجز الجلمة في جنين وأبوديس، وقلنديا وبيت إيل في رام الله وحاجز حوارة وبيت فوريك وبيتا وسلوان وجبل جرزيم والخليل.
ملاحم بطولية يخطها أبطال المقاومة بدمهم على طريق المعارك الفاصلة، وشعب يحتضن مقاومته المظفرة لتطهير الأرض المقدسة وكنس عملائه الغادرين، وستبقى رايات المقاومة خفاقة حتى التحرير والعودة القريبة.