على مدار 28 يومًا هي أيام منافسات كأس العالم التي استضافتها قطر، كان المونديال الشغل الشاغل لوسائل الإعلام العالمية قاطبة، حيث لم يقتصر الاهتمام على وسائل الإعلام الرياضي، فقد تصدر المونديال صفحات أشهر وأبرز الصحب في العالم يوميًّا، وزاد هذا الاهتمام والتركيز بسبب ما شهدته هذه النسخة الأفضل من كأس العالم من منافسة أخرى إلى جانب كرة القدم وهي المنافسة على حب فلسطين.
لقد أجبر هذا التضامن العربي والدولي الكبير للقضية الفلسطينية، أكبر الصحف الأمريكية والصهيونية وصحف بعض الدولة البارزة رياضيًّا، على تناول التفوق الفلسطيني في المونديال، حيث تناولت تلك الصحف ما حدث في قطر بإيجابية للقضية الفلسطيني من حيث لا يرغبون.
وكما نقول دائمًا "وشهد شاهد من أهلها" فقد شهدت الصحافة الأمريكية الداعم الأكبر للكيان الصهيوني ولصحافته التي تعرضت لحملة واسعة من المقاطعة العربية والدولية خلال المونديال، بأن فلسطين هي الفائز الأكبر بالمونديال، وهذا الاعتراف فيه طعم المرارة لهم ولكل من يدعم الاحتلال والجرائم اليومية التي يرتكبها بحق الشعب الفلسطيني، وفيه طعم النشوة والانتصار لكل فلسطيني غابت عنه رائحة الانتصارات.
إن الاعتراف الأمريكي والصهيوني بما حققته القضية الفلسطينية في المونديال، يُعد بالضرورة هزيمة للرواية الصهيونية، وانتصارًا غير مسبوق للرواية الفلسطينية، وهذا الاعتراف لم يكن ليتحقق لولا الصعقة الكبيرة التي تعرض لها العقل الإعلامي الأمريكي والصهيوني، إذ إنهم كانوا يتوقعون شيئًا مختلفًا عما شاهدوه في المونديال.
إن هذا الاعتراف له ما بعده، وله ما يُمكن البناء عليه مستقبلًا، لا سيما الاستثمار في المجال الرياضي وتفعيل الأنشطة التي تجد من يتعاطى معها في مثل هذه المحافل؛ لأن رؤيتي ووجهة نظري لم تتغيرا بخصوص الرياضة في فلسطين وفي العالم، حيث وصفتُها ولا أزال وسأبقى متمسكًا بوصفها "بوابة الاستقطاب" على كل الأصعدة، الوطنية والاجتماعية والسياسية.
لقد فرضت كرة القدم نفسها على كل متر في الكرة الأرضية، فقد أثبتت بعد مونديال قطر 2022 وقبله أيضًا، أنها اللعبة الشعبية الأولى في العالم والتي لا يستطيع أحد أن يمنع محبي كرة القدم في العالم من الالتصاق بها وعشقها بطريقة شاهدها وتابعها الجميع، كيف لا وقد تابع البطولة نصف سكان الكرة الأرضية حسب الإحصائيات الرسمية، وتابعها في الملاعب مليون متفرج.
لقد لفت انتباهي الاهتمام الكبير الذي أولته حركة المقاومة الإسلامية حماس لهذا المونديال، لا سيما على صعيدين؛ الأول مرتبط بالتنظيم لا سيما أنه عربي وقطري، إلى جانب وقوفها مؤيدة ومساندة وداعمة للمنتخبات العربية الأربعة التي شاركت في البطولة، إلى جانب تأكيدها أن المونديال لعب دورًا في صعود أسهم القضية الفلسطينية في الشارعين العربي والعالمي.
وعلى الطرف الآخر، لفت انتباهي التصريح الصادر عن رئيس السلطة محمود عباس، والذي قال فيه إن المونديال قدَّم القضية الفلسطينية أفضل مما قبل، وهناك ملاحظة كبيرة وعلامة استفهام أكبر، وهي أنه ما دام أن رئيس السلطة يعترف بذلك، فماذا حققت السلطة منذ اتفاق أوسلو قبل قرابة 30 سنة، وماذا فعلت وقدمت لفلسطين وقضيتها وشعبها؟
تشعر مع شديد الأسف أن كل المواطنين الفلسطينيين والعرب والأصدقاء الذي كانوا سببًا في إحداث هذا التأثير الكبير للعلم الفلسطيني والقضية الفلسطينية خلال منافسات كأس العالم في قطر، قد خدموا فلسطين وقضيتها ومواطنيها أكثر من وزرائها وسفرائها المنتشرين عبر دول العالم دون أن يُحقق أيٍ منهم فائدة لصالح المواطن الفلسطيني الذي انطلقوا إلى هذا الفضاء من خلال صوته في صندوق الانتخابات، إلا من رحم ربي من السفراء الذين كانت وما زالت وستبقى فلسطين في قلوبهم وعقولهم وسلوكهم كقضية وليس كوظيفة وتشريف.