أحاول الهروب من غزة ومشاكلها، فلا أقدر، فغزة التي تعيش في وجدان العرب، هي عش الدبابير التي ترفض أمريكا نفسها إجراءات محمود عباس العقابية ضدها، وأحاول أن أغض الطرف عن واقع غزة البائس، لأكتب في أي موضوع آخر؛ يتعلق بالمنطقة العربية ككل، أو يتعلق بالمستجدات الدولية، أو بالاختراقات الإسرائيلية لساحة روسيا والصين والهند، فلا أقوى، وكأن جرح غزة الذي ينز حسرة من خنجر محمود عباس، يتخثر على روحي، فأعاود الكتابة عن غزة، ولاسيما أن محمود عباس الذي يتوعد إسرائيل باللجوء إلى الأمم المتحدة، لا يجد أمامه لتنفيذ وعيده إلا أرض غزة، وسكانها، ومقاومتها القاهرة.
فقد ذكرت مصادر فلسطينية موثوقة لصحيفة الحياة الجديدة: أن محمود عباس كان خلال الأسابيع الأخيرة غاضباً جداً من عدة جهات محلية ودولية، من بينها الإدارة الأميركية، بسبب رفضها إجراءاته ضد قطاع غزة؛ بما في ذلك الخصم من الرواتب، وإحالة آلاف الموظفين على التقاعد المبكر، وقطع الكهرباء والخشية من انتشار الأمراض المعدية والأوبئة بين السكان.
وأضافت المصادر الفلسطينية أن محمود عباس يدرس حالياً خيارات سياسية ودبلوماسية عدة، من بينها حل السلطة الفلسطينية، بما فيها الحكومة والمجلس التشريعي وغيرها، وإعادة كل السلطات والصلاحيات التي تتمتع بها السلطة وتمارسها الى منظمة التحرير الفلسطينية.
وهنا مربط الفرس السياسي والتنظيمي، لأن كل ما يدبر له محمود عباس من وراء حل السلطة الفلسطينية هو حل المجلس التشريعي، ليستبق بذلك أي خطوة قد يتخذها التشريعي ضده.
حل السلطة الفلسطينية دون إصلاح منظمة التحرير، يشرع لعباس عقد جلسة مجلس وطني في رام الله بمن حضر، ويوفر له الفرصة لاختيار قيادة جديدة الأسماء قديمة النهج، وهذا يعني مواصلة تركيز القرار في يد محمود عباس نفسه، بصفته رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ورئيس المجلس المركزي، ورئيس كل شيء له علاقة بالقضية الفلسطينية.
خطوة حل السلطة الفلسطينية دون اعتراف القيادة السياسية بفشلها، ودون عقد الإطار القيادي، هي عمل مسرحي، وملهاة، ومسخرة سينشغل فيها الفلسطينيون لفترة إضافية، تمكن المستوطنين من فرض مزيد من الحقائق الثابتة على الاراضي الفلسطينية المحتلة، وتمكن محمود عباس من نفض يده بالكامل من سكان قطاع غزة.
خطوات محمود عباس الانفرادية لا يجابهها كل تنظيم على انفراد، ولا تتصدى لها بيانات الشجب والاستنكار، خطوات محمود عباس تستوجب الموقف التنظيمي الموحد والعنيد، والشعب الفلسطيني مقاوم بطبعه، ويعرف ما يدور من حوله، وسيحاسب بعنف في الفترة القادمة.