أجمع قادة فلسطينيون أبعدوا إلى مرج الزهور نهايات عام 1992، على أن هذا الإبعاد تحول من محنة إلى منحة بعدما نجحت القيادات المبعدة في لفت أنظار العالم إلى القضية الفلسطينية وممارسات الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين.
ويعيش الفلسطينيون اليوم الذكرى الـ30 لأكبر عملية إبعاد جماعي نفذتها دولة الاحتلال الإسرائيلي استهدفت 415 من خيرة أبناء وقادة شعبنا من الضفة الغربية وقطاع غزَّة، إلى مرج الزهور في الجنوب اللبناني في السابع عشر من كانون الأوَّل/ ديسمبر من عام 1992.
اقرأ أيضاً: مرج الزهور.. الانتصار الأول على طريق العودة إلى فلسطين
وقال الإعلامي نواف العامر أحد المبعدين: إن عملية الإبعاد كانت عبارة عن خطة أمنية سياسية إستراتيجية لإبعاد كل الشخصيات الفلسطينية الفاعلة، مستغلة حادثة أسر أحد جنود جيش الاحتلال في نهاية عام 1992.
ووصف العامر في حديثه لـ"فلسطين" مخيم مرج الزهور بمحطة انتصار ونموذج وحدوي وإصرار فلسطيني للعودة للوطن وسبب لإقفال ملف الإبعاد نهائيًّا علاوة على كونه أظهر صمود الفلسطيني.
بحسب العامر فإن المبعدين استطاعوا تحويل المخيم من محطة منفى إلى قبلة للتعريف بالقضية الفلسطينية ومعاناتها وتفاصيلها، وإنهاء الحلم الصهيوني بإنهاء الوجود الفلسطيني بالوطن وانتصار أبجديات العودة على صلف الاحتلال وجبروته.
واستطاع المبعدون تحويل المحنة إلى منحة بتنسيق العمل وإنجاز التواصل مع الجامعات الوطنية بافتتاح جامعة ابن تيمية للمبعدين، واعتماد المساقات التعليمية بحكم وجود طاقات أكاديمية إضافة إلى افتتاح عيادة طبية تمكنت من إجراء عمليات جراحية وتقديم الدعم الطبي ليس فقط للمبعدين بل وللسكان اللبنانيين.
من جانبه، رأى القيادي في حماس شاكر عمارة أحد المبعدين من محافظة أريحا، أن حادثة الإبعاد يجب أن تحفظ في ذاكرة الأجيال القادمة لما فيها من رسائل صمود وتحدٍّ منقطع النظير.
وأضاف: "كان المبعدون من مختلف المدن والقرى والمخيمات ومختلف الشرائح الاجتماعية، منهم الأطباء أصحاب التخصصات والمهندسون والأكاديميون والشيوخ والعمال والموظفون والقضاة والتجار ورجال الإصلاح والأئمة والمؤذنون، كانوا من خيرة أبناء الشعب الفلسطيني".
أمام الحالة الصعبة التي عاشها المبعدون، قال عمارة: "شُكِّلت لجنة تمثل جميع المناطق لإدارة الحياة اليومية وشُكِّلت لجان إعلامية ومالية واجتماعية وخارجية وداخلية وتعليم وتموين ولجان فنية ورياضية، جعلت الإرادة الجماعية للمبعدين تتحد أمام الظروف المناخية والسياسية والإقليمية والعالمية.
وتابع عمارة: "نجح القادة في استقطاب الصحافة العالمية وأثبتنا للعالم أننا لسنا إرهابيين وكان الانفتاح على العالم بوسائل الإعلام وأثبتنا أننا أصحاب حق أصحاب قضية أصحاب وطن، الأمر الذي ولد تعاطفا دوليا غير مسبوق مع قضية المبعدين".
وختم: "كان الصمود والتحدي عنواننا وعدنا إلى الوطن وقد تركنا بصمة في تاريخ القضية الفلسطينية عامة وتاريخ حركة المقاومة الإسلامية حماس خاصة بعد أن أعطينا صورة جديدة عن القضية الفلسطينية أن فلسطين لنا والقدس لنا وحق عودة اللاجئين إلى وطنهم حق مقدس".
اقرأ أيضاً: إبعاد "مرج الزهور".. 30 عامًا على مِنحة بزوغ القضية الفلسطينية
ويتحدث القيادي مصطفى أبو عرة عن تجربته مع الإبعاد لمرج الزهور، قائلًا: "في ذكرى جريمة الإبعاد إلى مرج الزهور التي أراد منها المجحوم رابين أن يقضي على المقاومة التي أشعلتها حماس مع بقية الفصائل مطلع انتفاضة الحجارة، فقد قال رابين إنه وصل إلى النواة الصلبة لحركة حماس حين أبعد أكثر من أربعمائة من قيادات وكوادر المقاومة، ولكن خاب فأله".
وتابع أبو عرة: "كانت عملية الإبعاد انطلاقة جديدة للحركة، فتحولت حماس من حركة محلية إلى حركة عالمية عرفها وسمع بها القاصي والداني من العرب والعجم وكتب عنها آلاف الصحفيين والصحف ووسائل الإعلام، وكانت هي حديث الساعة في ذلك الوقت والخبر الأول في الصحف والمجلات والفضائيات".
ولفت أبو عرة إلى أن المبعدين أبدعوا عن طريق قيادتهم الراشدة والناطق باسمهم الشهيد د. عبد العزيز الرنتيسي في نقل الصورة المشرقة للحركة وكشف الوجه السيئ للاحتلال وفضحه عالميًّا، واستغلوا الإبعاد في التربية والإعداد والتطوير فكان مخيم مرج الزهور عبارة عن مؤتمر دائم أو مهرجان تلاقحت فيه الأفكار وتبادلت فيه الخبرات لتصنع جيلًا من القادة لهذا الشعب والحركة ليقودوا مراحل الدعوة بعد ذلك من ابتلاء إلى آخر إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه من قوة ومنعة وهيبة.