شهدت الحشود الكبيرة الزاحفة إلى ساحة الكتيبة غرب مدينة غزة حضورًا كبيرًا للنساء اللاتي توشّحنَ بالأوشحة الخضراء، على حين ارتدت العشرات من الفتيات سُترات عسكرية، ورفعن رايات حركة حماس وكتائب القسام ولوحنَ بها على مدار ساعتين.
الحضور النسائي لم يكن عابرًا، إذ مثلت الكثير من الجموع جزءًا من أُسر كاملة افترقت داخل الساحة تنظر إلى احتفالية حماس في ذكرى انطلاقتها الـ35 كـ"يوم عيد" لا يمكن تفويته، وترى الحدث تجسيدًا للفكر المقاوم الذي تتناقله تلك الأسر جيلًا بعد جيل.
يوم استثنائي
في مقدمة الصفوف وقيادة الحركة النسائية الإسلامية توجد الكاتبة ابتسام صايمة، التي اصطحبت معها بناتها وبنات أسلافها، إذ عادت بذاكرتها إلى الأيام التي كان يصحبهم فيها حماها محمد شمعة رحمه الله، أحد مؤسسي حركة حماس إلى احتفالات الانطلاقة.
تقول صايمة: "نشأ الأحفاد، الكبار منهم خصوصًا، على أن هذا يوم استثنائي، ينتظرونه بفارغ الشوق كي يصطحبهم فيه جدهم منذ الصباح الباكر للاحتفال بانطلاقة الحركة التي كان أحد مؤسسيها الأوائل".
وبعد وفاة المؤسس شمعة ظلَّ أبناؤه وزوجاتهم وأحفادهم على عهده، ينتظرون يوم الانطلاقة على أحرّ من الجمر، ويعدون العدة له منذ بداية شهر ديسمبر من كل عام، "منذ الصباح الباكر استيقظ زوجي وابني وبناتي وجهّزوا أنفسهم للانطلاق للمهرجان، متعاهدين على أن يكونوا أول الحاضرين له في العام القادم كما في هذا العام"، تقول صايمة.
احتفالية العام مميزة بوجود حفيدها من ابنتها، كما تقول، الذي اصطحبته أمه معها على الرغم من صغر سنه "لكي يتربى على النهج نفسه الذي تربت عليه".
في ساحة المهرجان افترقت العائلة، ثم عاودوا الاجتماع مجددًا في نهاية المهرجان، ليتبادلوا الأحاديث عمّا دار من تفاصيل في الحدث البهيج بالنسبة لهم.
ولم يستطع أحمد البيومي (9 سنوات) أن ينتظر والديْه حتى يأخذا إذنًا بالانصراف من وظيفتيْهما قُبيل المهرجان، بل انطلق مصطحبًا شقيقه كريم (7 سنوات) برفقة أحد أصدقاء والدهما منذ السابعة صباحًا ليكونا من أول الحاضرين.
تقول والدتهما إيمان البيومي من مخيم النصيرات: "في المنزل يكون هدفي تنشئة أبنائي الصغار على مبادئ الحركة التي أنتمي إليها، فدائمًا ما أُحدّثهم عن القادة المؤسسين للحركة وشهدائها وتضحياتهم، الأمر الذي جعلهم مرتبطين بها كثيرًا على الرغم من نعومة أظفارهم".
وتضيف: "فهُم أصبحوا ينتظرون حفل الانطلاقة بفارغ الصبر وأُفصِّل لهم "البزات العسكرية" التي يرتدونها فيه، فلم يناموا طوال الليل، ولم يستطيعوا الصبر حتى أصحبهم أنا وأبوهم وأشقاؤهم الكبار إلى الحفل".
ترتيبٌ.. وتذكير
أما هبة حمدان فتحدثت عن الأجواء الحماسية التي يبثها والدها في المنزل منذ مطلع ديسمبر، إذ يبدأ في تحفيز الأبناء والأحفاد للمشاركة في الحفل، "تبدأ مشاركتنا من المسير العسكري الذي ينطلق من مخيم النصيرات وصولًا إلى أرض المهرجان، ويكون والدي قد جهَّز الرايات للأحفاد جميعًا".
وتضيف: "طوال الليل ونحن نتلقى رسائل تذكير منه بأن نكون جاهزين في الصباح الباكر، وتكون أمي أولى الحريصات على الذهاب إلى الحفل، وتبدأ في تجهيز الجميع لنكون من أوائل الذاهبين للمكان".
أما إسراء العرعير من خانيونس، فتحاول نقل الأجواء الحماسية الجميلة التي اعتادتها في بيت عائلتها في ليلة الانطلاقة لأسرتها الصغيرة، فعلى الرغم من حداثة سنّ ابنتها (3 أعوام)، فإنها بدأت منذ مطلع ديسمبر في تشغيل الأناشيد الخاصة بـ"حماس" ومحاولة زرع حب الحركة المجاهدة في صغيرتها.
وتضيف: "على الرغم من صغر سنّها فإني اصطحبتها معي للحفل كي تعتاد هذه الأجواء الرائعة التي تجدد فينا العهد للشهداء والأسرى والجرحى من أبناء الحركة وشعبنا كافة".
على حين تصطحب السيدة رويدة بشير جميع أفراد أسرتها وأبنائها إلى حفل الانطلاقة، إذ ترى المشاركة تأكيدًا للانتماء والفخر بحركة حماس، "أتيتُ إلى هنا برفقة والدتي وشقيقاتي وأبنائي، وكلنا سعداء بهذا الحفل البهيج الذي نُجدّد فيه تأكيد التمسك بالثوابت الوطنية".
أما ابنها مؤمن بشير (8 أعوام) فأعرب عن فرحته البالغة بالمشاركة في حفل الانطلاقة، " أنا وكل العيلة بنحب حماس، من الليل بنحضِّر للحفل".
وفاء للشيخ الياسين
وفي أثناء اندماج دعاء الزاملي من رفح في الأجواء الحماسية لحفل الانطلاقة، أكدت لنا أنها تأتي لحفل الانطلاقة دائمًا برفقة قريباتها وجاراتها، "أرى المشاركة إحياءً لذكرى الشيخ المؤسس الشهيد أحمد ياسين والتضحيات التي قدمها وأبناؤه من كوادر الحركة من بعده".
وفي إحدى زوايا المهرجان جلست السيدة فريال الهمص (59 عامًا) من رفح التي صمّمت على القدوم للحفل على الرغم من مرضها، "لا يمكنني تفويت هذا اليوم، الذي اعتدتُ فيه الحضور كل مرة، وعلى الرغم من مشقة الطريق فإنني في غاية السعادة أنني هنا اليوم".
وتضيف: "اصطحبتُ جميع أفراد أسرتي رجالًا ونساءً، إذ أرى في مشاركتنا لمسة عرفان لهذه الحركة المجاهدة التي قدمت التضحيات، وننعم في ظلّ حكمها بالأمان والاطمئنان".
بدورها، اصطحبت السيدة كوثر الهور أبناءها الأيتام إلى حفل الانطلاقة في لمسة عرفان لحركة حماس، التي لم تتركها مؤسساتها وحيدة بعد وفاة زوجها، بل احتضنت أبناءها ماديًّا ومعنويًّا.
تقول: "أبنائي جميعًا يحبون حماس، فمؤسساتها التربوية والخيرية كفلتهم منذ وفاة والدهم، هم يساعدونني كثيرًا على تربيتهم والإنفاق عليهم، منذ أن سمع أبنائي بوجود حفل للانطلاقة صمّموا على القدوم، وهم سعداء جدًّا لوجودهم هنا".
من جانبها، اصطحبت الفتاة نسرين البابا من بيت لاهيا قريناتها من بنات العائلة، وزحفنَ إلى "ساحة الكتيبة" للمشاركة في حفل الانطلاقة الذي يرينَ فيه وفاء لدماء الشهداء ومواصلة المسيرة نحو تحرير فلسطين.