من بين آلاف الرايات الخضراء والأعلام الفلسطينية، وصور الشهداء، وحضور مئات آلاف المواطنين، وشعار تاريخي عنوانه "آتون بطوفانٍ هادر"، حكى مهرجان إحياء الذكرى الـ35 لحركة المقاومة الإسلامية حماس قصة كفاح وطني خاضتها الحركة وجناحها العسكري كتائب القسام منذ شعلة انطلاقتها عام 1987، ضد الاحتلال الإسرائيلي الجاثم على أرض فلسطين منذ نكبة 1948.
اقرأ أيضاً: أهالي الضفة: مهرجان حماس رفع معنوياتنا
ومنذ الصباح الباكر أمس، تدفق مئات آلاف المواطنين كالسيل من كل حدبٍ وصوب إلى ساحة الكتيبة غرب مدينة غزة؛ لإحياء ذكرى انطلاقة حماس. وحظي المهرجان بمشاركة واسعة من الرجال والنساء والأطفال، جاؤوا إما بسيارات وإما سيرًا على الأقدام انطلاقًا من المحافظات الخمس لقطاع غزة، وقد زينوا أنفسهم بالرايات والكوفيات الخضراء وأعلام فلسطين.
وانتظم المشاركون في أماكن خصصتها مسبقًا الجهة القائمة على التحضير للمهرجان، ضمن عملية تنظيم شارك فيها أبناء الحركة لعدم إحداث أي خلل بعدما امتلأت ساحة الكتيبة على اتساعها بالمواطنين، وأُضيفَ إلى ذلك حضور مكثف لعناصر الأجهزة الأمنية للحفاظ على الأمن العام.
صورة للتاريخ
وأكثر ما كان يشد الانتباه في المهرجان، ضخامة المنصة المركزية والصورة المعلقة خلفها، وما حملته من دلائل ورمزية عربية وتاريخية، إذ تضمنت عنوان المهرجان "آتون بطوفان هادر"، وصورة مؤسس الحركة الشهيد الشيخ أحمد ياسين، وإلى جانبه صورة مموهة للقائد العام لكتائب القسام محمد الضيف، وأمامهما المسجد الأقصى، يحيط به طوفان من أحرار الدول العربية والإسلامية يحملون أعلام بلادهم، وهم في طريقهم فاتحين للقدس والمسجد المبارك.
وتخلل المهرجان هتافات متواصلة، مؤيدة لحركة حماس والمقاومة، وأناشيد وطنية قدمتها فرق فنية ألهبت حماس المشاركين فيه، وقد هتفوا جميعًا تأييدًا لإصرار الحركة على مقاومة الاحتلال بكل الوسائل الممكنة، وفي مقدمتها المقاومة المسلحة.
وجاءت كتائب عادل عقل، ومعها طفلتها رغد (3 أشهر) من مدينة دير البلح وسط القطاع، للاحتفاء بذكرى الانطلاقة.
وكتائب (28 عامًا)، هي ابنة شقيق الشهيد القائد عماد عقل، الذي اشتهر في تسعينيات القرن الماضي بتنفيذ عمليات فدائية ضد جنود الاحتلال من نقطة الصفر، واستشهد خلال اشتباك مع قوات إسرائيلية خاصة بحي الشجاعية شرق مدينة غزة عام 1993.
أما عن سبب تسميتها باسم كتائب، ذكرت أن مولدها في 18 أكتوبر/ تشرين الأول 1994، تزامن مع عملية بطولية لكتائب القسام في شارع "ديزنغوف" بـ(تل أبيب)، وأسماها والدها بهذا الاسم، تيمنًا باسم كتائب القسام.
وقالت كتائب لصحيفة "فلسطين": "أجدد البيعة لحركة حماس التي أكدت وقوفها سدا منيعًا أمام المخططات الصهيونية الأمريكية والغربية التي تستهدف قضيتنا الوطنية"، مضيفة أن الحصار والحروب لن تدفعنا للتخلي عن حماس ومشروع المقاومة حتى تحرير فلسطين.
اقرأ أيضاً: "مهرجان حماس".. المقاومة تجمع أطياف الشعب وأعماره
وأشارت إلى مشاركتها في جميع الفعاليات الوطنية التي تقيمها حركة حماس، خاصة عندما ترتبط بالأسرى والشهداء، وذكرى الانطلاقة.
أما ماجد المصري (40 عامًا) جاء من بلدة بيت حانون أقصى شمال قطاع غزة، إلى ساحة الكتيبة لإحياء ذكرى انطلاقة حماس. وقال لـ"فلسطين": إن المهرجان يعكس الوحدة الوطنية التي تؤكد عليها حماس انطلاقًا من مبدأ مقاومة الاحتلال ودحره عن فلسطين، مضيفا أن الحركة شكلت حاضنة للمقاومة منذ تأسيسها، ولا تزال تحافظ عليها منذ انطلاقتها قبل 35 عامًا.
وتابع: "الرسالة التي يجب أن تصل إلى الجميع من خلال هذا المهرجان، أن المقاومة باقية حتى دحر الاحتلال".
ثورة مستمرة
وتضمن المهرجان لوحة كبيرة عنوانها "الثورة الفلسطينية مستمرة حتى التحرير والعودة"، علقت إلى جوار المنصة المركزية، شملت صور شهداء منذ اندلاع الثورة الفلسطينية قبل قرابة 100 عام، وضمت شهداء ثورة البراق الذين أعدمهم الاحتلال البريطاني سنة 1930 محمد جمجوم، وفؤاد حجازي، وعطا الزير، وصورة للشهيد عز الدين القسام، إضافة إلى شهداء من القيادات السياسية والعسكرية للقوى والفصائل، منهم الرئيس الراحل ياسر عرفات، والشهيد محمد الأسود، وغيرهم العشرات.
من جهته، قال الباحث في الإعلام السياسي والدعاية حيدر المصدَّر إن حماس أحيت ذكرى انطلاقتها بحشد شعبي لافت، في وقت تعاني فيه الحالة الفلسطينية أزمات اقتصادية واجتماعية، كان يُعتقد أنها ستشكل عائقًا أمام أي حركة على الحشد الجماهيري.
وعدَّ المصدر في حديث لـ"فلسطين" ذلك دليلا على عدم تأثر الغالبية بغزة بتداعيات الأزمات على المستوى النفسي، بل التفافها حول الأفكار الكبرى المرتبطة بمشروع التحرر من الاحتلال، مشيرًا إلى أن عنوان المهرجان "آتون بطوفان هادر" تجسد جماهيريا على أرض الواقع في ساحة الكتيبة.
ونبَّه إلى أن الخطاب السياسي للمهرجان على لسان رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية يحمل رسالة صمود وتحد تؤكد الثوابت الوطنية والحفاظ على المقاومة ومشروع التحرير.
واعتبر المصدر أن أهمية كلمة القوى الوطنية والإسلامية التي ألقاها القيادي نافذ عزام، ليست في محتواها السياسي فحسب، بقدر ما ترتبط الأهمية باختيار قيادي في حركة الجهاد الإسلامي لإلقائها، ما يعكس عمق العلاقة بين حركتي حماس والجهاد، في وقت يشهد فيه قطاع غزة جهودًا دعائية معادية لضرب هذه العلاقة.
ولفت إلى أن الكلمة المختصرة للقائد العام لكتائب القسام محمد الضيف فيها الكثير من المعاني والدلالات، وتضمنت تأكيد استمرار المقاومة، ومشروع التحرير، ووحدة الساحات في مواجهة الاحتلال.
وذكر أن الرسالة الشاملة للمهرجان، أكدت أهمية الوحدة الوطنية بالمعنى السياسي والشعبي، بما لا يسمح للاحتلال بالتغول أكثر في الأراضي المحتلة.