فلسطين أون لاين

أنعتذر عن صحوتنا؟!

يطبقون منذ عقود طويلة نظرية التحطيم النفسي للشعوب وإرادتها، يسلبون الفكرة، يكسرون مجاديف الإبداع، يستحضرون المسوغات ويسهلون التشتيت والنزاعات بيننا حتى لا نعيد مجدًا هم طمسوه بل أخفوه ومسحوه من ذاكرة الأجيال عندنا وحذروا أجيالهم من أن عودة ذلك المجد يعني كشف زيف تحضرهم ونسف جهود شيطانهم وتدمير حلم إمبراطوريتهم.

التخلف الفقر الجوع الفوضى العصا الأمنية الزعرنة الديكتاتورية التبعية، كلها وبأسبابها وأدواتها أوجدوها في منطقتنا وعالمنا العربي والإسلامي، فنمّوا التافه ودفنوا وحرقوا المهم، وباتت أنهار بلدان العرب بلون حبر الكتب وميادينها ملأى بالسكر والفوضى والزنا، وزنازينها تعج بالعلماء والأدباء والبارعين في العلم والسياسة والطب والرياضة.

سرقوا هواء قنوات بثنا وجعلوه رقصا طوال الساعة وأفكارا مسمومة بمنهجية ودراية، اقتحموا العقول وفككوا المناهج وحرفوا النفسية عن الإبداع إلى الانبهار بالوهم والعجز أمام تلك السيادة.

نعم يا سادة دخل الوهن النفوس؛ فالمقاتل اقتنع بأنه يحمل حديدا لا سلاحا، والمفكر انمسح عقله بفعل التضييق والانسلاخ، والرياضي خجل من هدف يسجله في مرمى من نصبوا أنفسهم تقليديًّا أنهم التمساح، حرب نفسية على كل شخص ومؤسسة وفكرة تحاول كشف الزيف ووقف النزيف وبناء الذات وتذكير بالمجد التليد.

سفهوا فكرة الدولة الممتدة بين المحيطات وقالوا إنه استعباد للبشر وهم من يسيطر على كل الدول ويضعون رؤساء إمعة كأحجار الشطرنج، قالوا الخليفة تخلف وفيه امتهان للحقوق، فإذا بهم لديهم ملوك وأمراء ومناطق نفوذ وجوارٍ وخدم وعبيد، وكل ما كنا نراه أفلامًا على أنه العصر القديم، فيدورون في نعش ملكة يبكون لأسابيع ويصطفون ملايين ويسير خلفه أسطول من الذين يقولون نحن لا نعيش عبيدًا ولا نؤمن بالتقديس.

وحينما نقاوم يقال إرهاب وتقام الدنيا علينا ولا يمكن أن يصوروا ذلك عنفوانا وروح الشباب لحماية أرض أو عرض، على حين جنودهم ومجنداتهم فتية يقتلون ويصولون ويجولون يغتصبون حقا وجسدا وأرضًا في كل الديار ويسمونهم جيشا وناشرا للسلام، حتى مؤخرا قالوا في طفل يحمل بندقية في أوكرانيا رغم وجود جيش كامل للبلد إنه شجاع يدافع عن أرضه في وجه الغزاة، على حين شاب في فلسطين يقاوم احتلالا يصفونه بالمجرم ويطاردونه هم ومن وظفوه من الكلاب كي يعززوا نظريتهم أنهم الأرقى والأشجع ورمز الإنسانية والتحرر والفداء.

آه آه من قهر غمسونا فيه ونصبوا الفاسد ليقودنا والمثبط ليرشدنا والمتخلف ليطورنا والجاسوس ليعلمنا قسم اليمين لحماية الأوطان.

هي حقيقة الحرب التي بدؤوها قبل أن نرى مدافعهم ورشاشاتهم، نشروا فينا الوهن وحطموا المعنوية وأقنعونا أننا لسنا بشرا ولا طاقة لنا ولا إبداع يذكر، ليست لدينا عقول أو عضلات أو حتى ليست لدينا رجولة أو أنوثة بمعايير القدر، طفولتنا مشوهة بفعل إعلامهم الذي ينثر السم في كل زاوية وتحت كل حجر.

تفرح الجماهير العربية والإسلامية بعد عقود طويلة ليس لكرة قدم أو عرين في الجبل ولا لرعاية دولية ولا لتطور مذهل، بل لتجدد الهمة وتعزيز الفكرة التي للأسف هدرت جذورها لعقود وتحولت لأطلال تعمدوا تصويرها هكذا أنها تاريخ مضى وانتهى ولا داعي للتباهي، فأنتم اليوم تحت البساطير ولستم بشرا، حتى لا نفكر بقاعدة مهمة أن قوة الحضارة حتما ستغلب حضارة القوة والدجل.

يا سادة، لا تخجلوا من انتصار في الملاعب ولا تقولوا إنها معجزة ولا تخافوا من مواجهة محتل وتقولوا إنها انتحار ومجزرة ولا تصدقوا كاذبًا وإعلامًا حقيرًا وتقولوا إنه الذي يقرر المسخرة، بل قولوا لأنفسكم نعم يعود مجدنا من كل باب وتنقشع غيمة التضليل التي شكلوها فوق عالمنا العربي والإسلامي وأمطرونا بالفساد والقهر والتخلف، ودمروا بنية ثقافتنا التحتية وجدار قوة معنويتنا وأفق طموح شبابنا وقرار نهضتنا بكل ما أوتوا من سلاح وإمعة جاسوس بلكنة عربية.

نهضة تراكم الأمل في أمة أنهكوها طويلا وأصر شبابها أن يعززوا وصية رسولهم وقدوتهم محمد صلى الله عليه وسلم حينما قال إن الخير فيّ وفي أمتي إلى يوم الدين وإنه نصر بالشباب وإن الأيام دول وإن النصر بيد الله.

غبار الحرب المعنوية انقشعت ووجدنا حقيقتهم أمامنا فهم ليسوا مؤسسات حقوقية ولا داعمي ديمقراطية ولا محبي بشرية، هم الذين نراهم الآن دون تجميل دباباتهم وطائراتهم وقتلهم وعربدتهم على الشعوب وبطشهم وسرقة نفط وحقول وغاز وعقول وفرض خاوة الدفع وللحرب تدق الطبول.

يا له من تاريخ يعيد نفسه، فالشائعة والترهيب والترغيب ليس جديدا بل من عهد الرسول، والضعف ليس وليدا بل مرحلة تمر بها كل الشعوب والقوة والثبات حقيقة كانت عليها أمة المليار ودولتها بلا حدود، والظلم زال عن شعوب على مدار عقود فكيف له أن يبقى على أمة تاريخها أثبت أنها حكمت العالم وتفوقت وطورت طبًّا وهندسة وعلما ورياضة وعسكرية وثروة وكانت تصول وتجول، ولعله على أقل تقدير لمن ما زالت آلة الإحباط تسيطر عليه ويخاف من النهوض؛ فإن المنطق يقول ما حدث مرة ممكن أن يحدث مرة، وكل مرة، فلا داعي لتقديس الواقع والخوف من التغيير، فلا ضعيف سيبقى ضعيفا ولا ظالم سيدوم وها هي الأحداث تتسارع وتكشف كثيرا مما ظننا أنه مستور.