لم تسعف الكلمات الشاب أمين خليل وهو يتحدث عن الوضع الصعب الذي يعيشه شقيقه المعتقل محمد الذي يعاني حالة نفسية صعبة، إذ يمكث في العزل الانفرادي منذ قرابة الـ14 عامًا، "لقد سرق منا السجن محمد وحيويته، وحوَّله لشخص يهوى العزلة ويكره رؤية الناس".
فـ"محمد" كان في مقتبل عمره وقد أنهى اختبارات الثانوية العامة لتوّه عندما داهمت قوات الاحتلال في عام 2006م قرية المزرعة الغربية قضاء رام الله لاعتقاله، وأوقعت بحقه حكمًا طويلًا "المؤبد مدى الحياة و25 عامًا".
لم يحتمل محمد البالغ "39 عامًا" الإهانة التي كان يقوم بها أحد حراس السجن لأحد الأسرى المرضى في زنزانته، ما أدى لإصابته بإغماء، فاغتنم "الفورة" وحاول قتل هذا الحارس، فتكالب عليه حراس السجن الآخرون، وأشبعوه ضربًا حتى كسروا أصابع يديه، وأُصيب بضربة في رأسه.
ومن ثم نقلت إدارة سجون الاحتلال محمد للعزل الانفرادي لمدة خمس سنوات متواصلة لم يُتح فيها لعائلته زيارته وكانت الأخبار التي تصل إليهم عنه شحيحة جدًّا، وتعرّض خلالها لتعذيب عنيف، "خضع شقيقي لعقاب شديد من قِبل سلطات الاحتلال".
وعندما زاره ذوُوه للمرة الأولى بعد مضي خمس سنوات على عزله الانفرادي فُوجئوا بالحال الصعب الذي وصل إليه، فقد بدت عليه علامات التعب النفسي والجسدي، ومنذ ذلك الوقت لا يحتمل "محمد" البقاء في الزنازين العادية ولا التعامل مع أيّ إنسان، فيُصاب بحالة من العصبية عند رؤية الناس، فيمكث في مهجع الأسرى شهرًا على الأكثر ثم يعيده الاحتلال للعزل الانفرادي.
يضيف أمين: "كيف يمكن أن يكون حالُ شابٍّ أمضى من عمره أربعة عشر عامًا في العزل الانفرادي؟ إنه لا يرى إلا الجدران، ولم يعد لديه القدرة على التأقلم أو التعامل مع أيّ إنسان، ما حدث بحقّه قمة الظلم".
إهمال طبي
ويشعر أمين بالأسى كلما زار محمد، "فهو لكونه يمكث بين أربعة جدران لا يجد ما يتحدث به معنا، فقط يسألنا عن حالنا، ثم ينتهي الحديث، حاولنا أن نُدخل له طبيب أمراض نفسية أو عصبية عن طريق هيئة الأسرى لكنها تتحجّج بأنها لا تجد مَنْ لديه استعداد لذلك".
وأُصيب الأسير محمد من جراء العزل المتواصل بالسمنة المُفرطة التي أدت لإصابته بمرض السكري، "فهو يعاني أمراضًا جسدية ونفسية، حتى في الزيارة أكون وحيدًا، فهو في قسم العزل، نكون أنا وإيّاه فقط، لا يجد ما يُحدّثني به، أطلب منه العودة للزنازين فيخبرني بأنه غير قادر على رؤية الناس".
ويُحمّل أمين إدارة سجون الاحتلال المسؤولية عمّا آلت إليه أوضاع شقيقه الذي خضع لتعذيب قاسٍ ويعاني إهمالًا طبيًّا، فحتى الآن لم يفحصه أيُّ طبيب نفسي، "ليس لديهم في السجن سوى حبة الأكامول لكل الأمراض، وبدلًا من أن يعملوا على دمجه وعلاجه النفسي، فإنهم يستسهلون وضعه في العزل الانفرادي، ما بيدنا حيلة كأشقاء وشقيقات سوى الاستمرار في زيارته وإشعاره بأننا بجانبه".
مواساة
أما زوجة والده تمام أبو شخيدم، فعلى الرغم من أنها لم تشهد حياة محمد قبل اعتقاله فإنها تشعر بأنّ مسؤولية زيارته والعناية به تقع على عاتقها بعد وفاة والده، "يكفي أنه فقد أمه وأباه وهو يعاني مشكلات صحية ونفسية، فيجب أن نقف بجانبه".
وتُضيف: "يتقطّع قلبي كلما زُرته، فهو يُصمّم على الخروج معي من السجن، ويسألها دائمًا متى سأعود إلى البيت؟ هذا الاحتلال غير إنساني، من المفترض أن يفرج عنه مبكرًا لوضعه الصعب".
فمنذُ ارتباط أبو شخيدم بوالد محمد بعد وفاة والدته، وهي تشعر بأنّ قضيته أمر يجب النضال لأجله، "استصدر لي والده تصريح زيارة، ومنذ ذلك الوقت وأنا أداوم على زيارته خاصة بعد وفاة والده الذي مات وهو يشعر بالقهر على ما آل إليه حال ابنه".
وتُضيف: "لا أتمالك نفسي أمام وضعه الصعب، فلا أجد على لساني ما أواسيه به سوى كلمة "الله يفرجها عليك" وأحاول بعث الأمل في نفسه فأقول له "حتطلع يا محمد وحجوزك يا خالتي وأشوف أحفادك".
فالظروف قاسية جدًّا في سجون الاحتلال، وِفق أبو شخيدم، خاصة مأساة العزل الانفرادي التي تُؤثّر في الأسرى نفسيًّا وجسديًّا، "ما رآه محمد في السجن ليس بالسهل أبدًا، معاملة الاحتلال غير إنسانية مطلقًا، إنها تجعل الشباب الأسرى يكبرون مئة عام".
والأسير محمد خليل من سكان بلدة المزرعة الغربية شمال رام الله ومحكوم بالسجن المؤبد، إضافة إلى ٢٥ عامًا، يُعاني أوضاعًا نفسية وعصبية صعبة، نتجت بسبب ظروف الاعتقال القاسية التي تعرض لها على مدار سنوات اعتقاله الممتدة منذ عام 2006، ورغم وضعه النفسي الصعب تُواصل إدارة السجون عزله انفراديًّا.