فلسطين أون لاين

أسير من زمن "انتفاضة الحجارة" يصارع الموت

تقرير وليد دقة.. السرطان يداهم جسده المقيد بـ39 عامًا

...
الأسير وليد دقة - أرشيف
غزة/ يحيى اليعقوبي:

بقيت ثلاثة أعوام ليصل إلى حكمه البالغ 39 عامًا، على أمل أن يحتضن بعدها طفلته "ميلاد" لأول مرةٍ خارج الأسر، تلك القطعة التي حرر بها الأسير وليد دقة جزءًا منه، لتكون سفيرة حريته خارج سجون الاحتلال، في حين تنتظر زوجته منذ عقدين تحرره ليكملا الحياة تحت سقفٍ واحد، كانت سنده بمعركة صموده في وجه سنوات الحكم الجائرة.

الأسير دقة سيطرق ستين عامًا من عمره، وقد أمضى في سجون الاحتلال حتى اليوم 36 عامًا، ويعد من الأسرى الفلسطينيين القدامى، واعتُقل في زمن انتفاضة الحجارة التي تحل ذكراها السنوية في 8 ديسمبر/ كانون الأول، فقد كان أحد أذرعها النضالية.

اقرأ أيضاً: نشطاء يتضامنون مع الأسير وليد دقة بعد إعلانه إصابته بالسرطان

في وقت اقتربت نهاية قصة تخلد على صفحات التاريخ لأسير واجه الاحتلال في محطات كثيرة، وانتزع ورسم أفراحه حتى وهو داخل السجون، داهم "سرطان الدم" الأسير دقة، بعدما شُخِّص أخيرًا، عقب رحلة صبر وصمود تحمّل فيها عذابات السجن والتعذيب التي لم تنل منه، وبات يخشى أن ينال منه "المرض الخبيث"، وأصبع الاتهام الأول موجه للاحتلال الإسرائيلي.

سرطان السجن

تحمّل سرطان السجن الذي نهش أكثر من نصف عمره، وغيبه عن كل شيءٍ تاقت نفسه لرؤيته في الخارج، في بلدته "باقة الغربية" في أراضي الداخل المحتل عام 1948، حينما اعتقل في 25 مارس/ آذار 1986.

وقتها أصدرت قوات الاحتلال بحقّه حكماً بالسّجن المؤبد، حُدد لاحقاً بـ37 عاماً، وأضيف عام 2018 على حُكمه عامان ليصبح (39) عامًا.

زوجته سناء التي قررت الارتباط به عام 1999، متحديةً الاحتلال الإسرائيلي الذي وقف حائلاً في وجه إتمام فرحة اقترانهما على أمل لقاءٍ بعد حين أصبح قريبا من التحقق، تلقت خبر إصابة شريك عمرها المغيب في نفس البقعة من الأرض، وتحت السماء ذاتها، بمزيد من الصبر والوجع في آن واحد، قالت: "وجع الحياة لا ينتهي، والصبر لا ينتهي أيضاً كما اليقين بالحرية".

شرحت زوجته عن حالته الصحية، أنه كان يعاني المرض والإهمال الطبي، ونقل أخيراً إلى أحد المستشفيات الإسرائيلية، مردفة بحزن شديد: "للأسف الفحوصات أظهرت اليوم إصابة أبو ميلاد بمرض "لوكيميا ALM -سرطان الدم"، والعلاج الكيماوي سيبدأ فورا".

"كنا ننتظر تحرره بعد ثلاثة أشهر، بعد 37 سنة من الأسر، لولا الإمعان في الظلم وإضافة سنتين إلى محكوميته، لكن ثقتنا بصمود أبو ميلاد ونجاته وخروجه للحرية في أسرع وقت لا تتزعزع"، داعية أبناء الشعب الفلسطيني إلى "مزيد من الدعوات لزوجها بالصمود أمام المرض".

شمعة فرح

في 3 فبراير/ شباط 2020، أوقدت "ميلاد" شمعة فرحٍ في عتمة سنوات والدها في سجون الاحتلال، حينما أبصرت من نطفة محررة، يومها زفت والدتها تلك الفرحة بعد 12 عامًا من المكافحة في تحدي الاحتلال لأجل انتزاع تلك النطفة، وقالت بكلمات تغمرها الفرح: "اليوم حطمت ميلاد جدران السجن وحرّرت والدها من قيده مبشّرة بميلاد الحرية، ميلاد التحدي. اليوم جاءت ميلاد إلى الدنيا في مدينة البشارة -الناصرة- لتكون ميلادا للبشارة، حاملة نور المحبة والسلام".

بعد عامين تجرع فيها لهفة وانتظارًا وشوقًا لضم طفلته بين ذراعيه، احتضن "ميلاد" للمرة الأولى منذ ولادتها في 25 أكتوبر/ تشرين أول 2022، بعد أن سمحت سلطات الاحتلال للأطفال بالدّخول للزيارة، وبعد انقطاعٍ لمدّة ثلاث سنوات.

اقرأ أيضاً: تدهور خطير يطرأ على الوضع الصحي للأسير وليد دقة

لم يدم العناق أكثر من دقيقة واحدةٍ، ربما كان شبيهًا بقصة أسرى "نفق الحرية"، هو نفسه تحدث عن ذلك الشعور حينما تنسموا الحرية للحظات ثم عادوا للسجن، قائلا: "اليوم صار فيي مثل ما صار بالأسرى اللي حفروا النفق.. وانمسكوا".

لم يسبق لـ"ميلاد" أن رأت والدها، لكن أمها روت لها كثيرا عنه، بالرغم من أنها لا تفهم معنى الأسر، وأنها نفسها تحررت نطفة من قلب السجن، كل ما فعلته في تلك الزيارة كان البكاء والخوف من السجانين.

نضال متواصل

رئيس نادي الأسير قدورة فارس قال إن إصابة الأسير دقة بعد 36 عاما متواصلة من الاعتقال، يؤكد أن الشعب الفلسطيني لا يزال يواصل كفاحه ونضاله من أجل الحرية والاستقلال.

وأشار فارس إلى أن الأسير دقة عاش الانتفاضتين الفلسطينية الأولى والثانية كما هي حال كوكبة من الأسرى في سجون الاحتلال، ليؤكد أن مسيرة الثورة مستمرة.

وعبر عن حزنه في حديثه لصحيفة "فلسطين" بإصابة الأسير دقة بالسرطان، قائلا: "مؤلم أن قائدا بحجم وليد الذي لم تنل منه لا رصاصات الاحتلال ولا تعذيبه، يداهمه المرض، بعدما تبقى أقل من ثلاث سنوات على حريته".

وحمَّل الاحتلال المسؤولية عن مرض الأسير دقة، متهما إياه بأنه المتسبب الرئيس فيه، لأنه كان يعاني مشكلات في الدم منذ عدة سنوات، وكان يجب أن يتعرف إلى طبيعة ما يعانيه، وهذا يؤكد أن الاحتلال كان سببا مباشرا في تأخير تشخيص المرض وعلاجه، واكتشافه في مرحلة متأخرة.

وعن ذكرى انتفاضة الحجارة التي كان الأسير دقة جزءا منها، أكد فارس أن الأسير كان جزءا من هذه التجربة الكفاحية للشعب الفلسطيني، ومساهمته في النضال لم تكن فقط بالحجارة، بل شارك في النضال بكل أشكاله، وخلال وجوده في السجن عزز من معرفته وثقافته، وأصدر مجموعة من المؤلفات التي حاول من خلالها أن يساهم في تعزيز ثقافة الثورة والنضال للأجيال، ويترك بصمات واضحة في ذلك.