كعادته جهّز نفسه وارتدى ملابسه وحمل حقيبته الجامعية كما كل يوم، حينما تتجاوز عقارب الساعة السابعة صباحاً، لكن لم يدُرْ بخلد "معتصم عرمان" أن صباح الثلاثاء من الأسبوع الماضي سيكون مختلفاً، ولن يتمكن من الوصول إلى مقاعد الدراسة برفقة زملائه في جامعة بيرزيت الواقعة بمدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة.
صعد "معتصم" (19 عاماً) إلى حافلة الطلبة التي تنقلهم يومياً إلى الجامعة، فبعدما سارت خطوات قليلة، إذ بسيارة مدنية تحمل "لوحة أرقام مخصصة لقوى الأمن" تعترض طريق الحافلة وتوقفها وسط الشارع، وينزل منها 4 عناصر يرتدون الزي العسكري ويضعون لُثماً على وجهوهم، فيقتحمون الباص ويقتادونه منهم.
اقرأ أيضاً: محامون من أجل العدالة: تسجيل 73 حالة اعتقال سياسي بالضفة
"بلا رحمة وإنسانية" زجّ عناصر المخابرات بـ"معتصم" الذي يدرس تخصص "دكتور صيدلة" بالمستوى الثاني في جامعة بيرزيت، في السيارة، ثم انطلقت مُسرعة إلى جهة مجهولة، حسبما ذكرت ديمة عرمان والدة "معتصم"، وفق ما روى لها شهود عيان حول مُجريات الحدث.
لم تكن تعلم عائلة عرمان ما حدث مع نجلها "معتصم" طيلة ذلك اليوم، حتى تلقت اتصالاً في اليوم التالي، مفاده "معتصم معتقل في سجن مخابرات رام الله"، تتحدث عرمان لصحيفة "فلسطين"، عن اللحظات الأولى لتلقي العائلة خبر الاعتقال.
وتوضح عرمان، أن محكمة رام الله حكمت على "معتصم" بتمديد اعتقاله لمدة 48 ساعة، ثم أصدرت حكماً بتمديد آخر لمدة 15 يوماً، مُشيرةً إلى أنه منذ إصدار الحكم وحتى كتابة هذا التقرير والعائلة تقدم عبر المحامي طلبات إخلاء سبيل بكفالة، لكن "رُفِضت جميعها".
وما يثير استغراب "عرمان" هو عدم موافقة المحكمة على "إخلاء السبيل" دون إعطاء أسباب أو تهم واضحة، متوقعةً أن تكون التهم على خلفية مشاركته في النشاطات الطلابية داخل الجامعة.
وبيّنت أن العائلة تقدمت بشكوى للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان من أجل زيارته ومعرفة أسباب الاعتقال ومنع الإفراج عنه، كما جرى تقديم شكوى أيضاً للسفارة الأمريكية في الضفة، لأن "معتصم" من مواليد الولايات المتحدة الأمريكية ويحمل الجنسية الأمريكية.
ومنذ اعتقاله المتواصل لليوم العاشر، تمكنت العائلة من زيارته في سجن مخابرات رام الله مرةً واحدة فقط، حيث أبلغ "معتصم" عائلته أنه شرع في إضراب مفتوح عن الطعام، رفضاً لاعتقاله تعسفيًّا.
اقرأ أيضاً: 1250 حالة اعتقال سياسي في الضفة الغربية خلال 2018
وتؤكد والدة "معتصم" رفضها سياسة السلطة "جملة وتفصيلًا"، باعتقال طلبة الجامعات على خلفية نشاطاتهم الطلابية خلال دراستهم، مشددةً على أنه "من حق الطلبة ممارسة أنشطة داخل جامعاتهم، خاصة أنهم لم يشكلوا أي أضرار على أحد".
وبصوت يرافقه القهر تقول عرمان: "رفضنا أن يسافر معتصم لتلقي العلم في الجامعات الأمريكية، لأننا نؤمن بضرورة أن يدرس في بلده ويخدمه، لكن هذه الاعتقالات تزيد الغصّة في قلوبنا".
وما يزيد قهرها أن زوجها أمين أيضاً أسير محرر، فقد أفرجت عنه سلطات الاحتلال قبل حوالي شهر، بعدما أمضى 8 أشهر، ما مجموعه 3 سنوات متفرقة، غير الاعتقالات المتكررة لدى أجهزة أمن السلطة برام الله.
وترى عرمان، أن السلطة تشارك الاحتلال في الضغط على المواطنين ودفعهم للهجرة قسراً، بفعل استمرار الاعتقالات السياسية، ويندرج ذلك ضمن محاربة "الحق في حرية التعبير والرأي".
وأكدت أن الاعتقال السياسي ينعكس سلباً على حياة الطلبة الدراسية، ويُطيل أمد تخرجهم، إضافة إلى التأثيرات السلبية على جميع أفراد العائلة، متسائلةً: "مَن سيعوض ابني مما فاته في الدراسة والرسوم الجامعية؟".
وشددت على أنه "إذا لم تستجِب السلطة لمطالبات الإفراج عن معتصم، ستبدأ العائلة في إجراءات تصعيدية وتنظيم وقفات احتجاجية أمام مقر مخابرات السلطة برام الله".
وطالبت عرمان، أجهزة أمن السلطة بضرورة الإفراج عن نجلها "معتصم" فورًا، داعيةً الجهات الحقوقية للضغط على السلطة والإفراج عنه.