حجم الفرح بفوز المغرب على إسبانيا غطى مساحة الوطن العربي من الشرق وحتى الغرب، فرح صادق ونابع من قلوب الملايين، سواء كانوا من عشاق الرياضة، أو كانوا من عشاق السيادة، فالفرح بالانتصار حاجة إنسانية، تعيد للإنسان اتزانه النفسي، وإحساسه بالوجود، وتحقق له ذاته التي يفتش عنها بين ركام الإحباط والخذلان.
انتصرت المغرب على إسبانيا في لعبة كرة القدم، فانتصر مئات الملايين من شعوب الأمة العربية على عجزهم وضعفهم، لقد هلل العرب لانتصار المغرب، لأنه رد لهم الاعتبار، وأعاد للأمة ثقتها بنفسها وقدراتها، وكأن انتصار المغرب في كرة القدم هو انتصار سياسي للأمة كلها، انتصار على واقعها الممزق والمتخلف والبعيد عن الحضور والتأثير في الساحات الدولية، لذلك شعر كل إنسان عربي بأن هذا الانتصار في ملاعب كرة القدم هو انتصار شخصي، وانتصار قومي، لامس وجدان كل إنسان عربي، أدرك أن الانتصار في كرة القدم شهادة دولية بأن الإنسان العربي لا يقل جودة وإبداعاً عن بقية الشعوب، وأن العربي إذا تمكن من قدراته وطاقته لا يقل إنتاجاً وتفوقاً عن بقية شعوب الأرض، ويشهد على ذلك التاريخ.
انتصار المغرب لم يفجر مشاعر الحب والمودة بين أبناء الأمة، انتصار المغرب أعاد اللحمة والتعاضد بين أبناء الأمة، وعاد بهم إلى التاريخ، حين كان يلتقي الشامي والمغربي في معركة واحدة ضد عدو واحد، انتصار المغرب قفز بالشعوب العربية عن حواجز التمزق والتقسيمات الطائفية والعرقية، فإذا بالبعيد قد صار قريباً، وإذا بالغريب قد صار حبيباً، وإذا بالعرب أمة واحدة، تئن لوجع فلسطين، وتهتف بحرية أرضها وشعبها، أمة عربية واحدة تتقاسم لحظات الانتصار، فإذا أبرقت الدنيا في المغرب، تساقط مطر الفرح على الشعب العربي في الجزائر، رغم الخلافات السياسية، وتساقط مطر الفرح على بلاد الشام والحجاز، رغم بعد المسافات الجغرافية، إنها أمة واحدة، تجمعها لغة عربية نزل بها القرآن، أمة تلتقي على حياض الدين الإسلامي الذي رفع من شأنها بين الأمم، ووحدها بالمصير والهدف والأحلام.
النجاح فعل تراكمي، والنصر يجلب النصر، ويشجع على المزيد من وحدة المشاعر، والمزيد من الثقة بالنفس، وهذا ما يحلم به الجمهور العربي، وهو يتمنى أن يظل فريق المغرب متألقاً، وأن يصعد إلى القمة، فالإنسان العربي ليس أقل قيمة وإبداعاً وإنسانية من الشعوب الأخرى، العربي شجاعٌ إذا توفرت له الفرصة، والعربي ضائع تائه في المجهول، طالما تآمرت عليه السياسة الدولية.
ملحوظة: أكثر من مليون ونصف مليون مغربي يعملون في قطف الزيتون في إسبانيا، وهذه طاقة إنتاجية أولى بها بلاد المغرب، فأرض المغرب التي لا تقل خصوبة وجودة وإنتاجاً عن أرض إسبانيا، والمغربي إنسانٌ لا يقل انتماءً وعطاءً عن الإنسان الإسباني.