التهجير القسري والوجع الذي عاشته جدتها عندما هجرت من مدينتها حيفا عام 1948، عاشته الشابة سارة أبو راشد قسرًا عندما اضطرت إلى مغادرة سوريا برفقة عائلتها بسبب الأزمة في البلاد.
اندمجت الشابة الفلسطينية سريعًا في المجتمع الأمريكي محققة تفوقًا أكاديميًا مبهرًا، دون أن تترك قلمها المبدع، فأصدرت مسرحية "خريطة عن نفسي" تروي فيها قصة عائلتها مع الهوية والهجرة والشتات، التي عرضت أكثر من ست عشرة مرة في عديد الولايات الأمريكية.
حاجز اللغة
تركت سارة مخيم اليرموك في عام 2009، وقد غدت الآن شاعرة وكاتبة ومتحدثة، تحمل شهادة البكالوريوس في العلاقات الدولية والأدب الإنجليزي، وتحضّر لنيل الماجستير الكتابة الإبداعية من جامعة ميشيغان.
تتحدث سارة "23 عامًا" لـ"فلسطين" عن موهبتها في الكتابة وشغفها الكبير بها مذ كانت صغيرة، حيث كانت جدتها أول مشجعة ومعلمة لها، "كانت تحفظني قصائد من عمر صغير ثم بدأت بالكتابة في عمر ست سنوات".
عندما انتقلت أبو راشد إلى أمريكا لم تكن تجيد تحدُّث الإنجليزية، لكنها حرصت على ترجمة جميع كتبها إلى اللغة التي يتحدثها المجتمع، وخلال أشهر تعلمت اللغة وبدأت تخوض تجارب كتابة الشعر بلغة أجنبية.
تقول: "حققت نجاحًا كبيرًا وشاركت في مسابقات على مستوى المدرسة وصولًا إلى المشاركة في مسابقات وطنية على مستوى أمريكا".
حازت كتابات سارة على عدة جوائز ونشرت في أكثر من عشرة كتب ومجلات أمريكية معروفة على مستوى الولاية التي تسكنها، من أبرز منشوراتها صدور إحدى قصائدها في منهاج اللغة الإنجليزية لطلبة الثانوية.
"خريطة عن نفسي"
استثمرت سارة هذا النجاح في توظيف الكتابة والأعمال الأدبية في خدمة القضية الفلسطينية، إذ تعتقد أن أسهل طريقة للحديث عن فلسطين هي استخدام اللغة المحكية، لذلك أغلب كتاباتها سواء باللغة العربية أو الإنجليزية تتمحور حول فلسطين والقضية واللاجئين والحرب والاحتلال والخسارات التي يمر بها الفلسطينيون.
وتتابع سارة: "ما أفعله مسؤولية واجبة لأنني أمتلك مهارة الكتابة وأجيد التحدث عن قضيتي، وكثيرًا ما أواجه سؤالًا من المجتمع الأمريكي المحيط: متى ستتخلين عن الكتابة لفلسطين؟، أجيب دون تفكير بأنه لا يمكن ذلك (…) لدي أمل أن نتحرر من بعض القيود لأتمكن من الكتابة في كل المواضيع لكوننا شعبًا يستحق الحياة".
أما مسرحية "خريطة عن نفسي" فتوضح سارة أنها تسرد ما عاشته برفقة عائلتها عن الهجرة والتهجير، ابتداء من حيفا عام 1948، عندما وصلت جدتها إلى مخيم اليرموك حين كانت في الثالثة من عمرها، وظروف الحياة التي عاشوها خلال الأزمة السورية التي اندلعت في عام 2011، واضطراراهم للانتقال إلى أمريكا.
المسرحية مكونة من خمسة مشاهدة، كل واحد منها يسرد جزءًا مختلفًا من القصة لأجيال مختلفة ومتعاقبة، وتطرح العديد من الأسئلة عن نظرة المجتمع الغربي للفلسطينيين والحجاب وغيرها، وكل مشهد ينتهي برواية قصيدة خاصة فيها، ودمجت في إحداهن قصيدة لنزار قباني، وقد استغرقت في كتابتها ثمانية أشهر، وهي تحاول كتابة نص المسرحية لتعبّر عما بداخلها، وتم عرضها 15 مرة في أنحاء الولايات المتحدة.
طموح ببصمة ثقافية
في عام 2018 اختيرت سارة كواحدة من عشرين طالبًا عالميًّا لحضور مؤتمر الديمقراطية للسفراء في اليونان، كما شاركت بقصائدها في مؤتمرات وبرامج عديدة، مثل مؤتمر السيناتور شيرود براون لدعم المرأة، وبرنامج هارفارد الطلابي للخدمة العامة وغيرهم.
وتطمح الشابة الفلسطينية أن تكون من المنتجين الثقافيين في المجتمع لتتمكن من وضع بصمتها وتترك صوتها من خلال الكتابة والعمل المسرحي، وأن تؤدي دورًا في تشجيع الشباب الفلسطيني والعربي ودعم مواهبهم، وتوجه رسالة للشباب العربي بأن يتتبعوا شغفهم في المجالات الأدبية والفنية ويوظفوها في خدمة بلادهم.