السؤال: نعلم أن الإسلام أذن في ممارسة بعض الرياضات مثل السباحة والرماية وركوب الخيل، ولكن انتشرت في زماننا رياضة كرة القدم، وقد تعلقت بها الجماهير تعلقًا شديدًا فما حكم ممارسة هذه الرياضة؟ وما حكم التفرغ لممارسة هذه الرياضة وهو ما يعرف بالاحتراف بحيث يكون ممارسة الرياضة هو مصدر الرزق الوحيد للمحترف؟ جزاكم الله عن أمتنا خير الجزاء..
الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فرياضة كرة القدم من الرياضات التي لم يعرفها سلفنا الصالح، ولا حرج في ممارسة هذا اللون من الرياضات بشرط مراعاة جملة ضوابط منها: أن لا تُشغل عن أداء الواجبات، وعدم الإسراف في اللعب، وعدم العنف الذي يضر بالآخرين.
أما اتخاذ هذه الرياضة وغيرها حرفة يتفرغ لها اللاعب؛ فالأمر منوط بالمصلحة التي تعود من وراء ذلك، ولكن الذي يجب التنبيه عليه هو أنه لا يجوز بحال إغداق الأموال ببزخ وسرف في الوقت الذي لا تجد فيه الشعوب لقمة عيشها.
يقول فضيلة العلامة الشيخ القرضاوي رحمه الله:
من الألعاب التي اشتهرت في عصرنا، ولم يذكرها فقهاؤنا السابقون في كتبهم، أو في نوازل أزمنتهم: الألعاب الخاصة بالكرة، التي بهرت الناس واستهوت عقولهم، وسحرت أعينهم وألبابهم، وشغلت أوقاتهم وأفكارهم، إلى حد كبير.
أهمها "كرة القدم" التي يلعب فيها فريق مقابل فريق شوطين يتبادلا فيهما المواقع، وينقسمون في الميدان ما بين الهجوم والدفاع، ومن يقف على باب الموقع النهائي لصد الكرة حتى لا تدخل، فيحسب هدفًا للفريق المهاجم، والمتفرجون عليها كثر، والحماس لها شديد، وفي بعض البلاد ينقسم الجمهور إلى حزبين شديدي التنافس، كأنها فريقان سياسيان رئيسيان، في معركة انتخابية حاسمة!
ولا مانع شرعا من لعب كرة القدم، إذ ليس فيها محظور شرعي؛ بشرط أن تراعى عدة ضوابط:
1- أن لا تشغل لاعبها عن واجب ديني كأداء الصلوات في أوقاتها، أو دنيوي كمذاكرة الطالب لدروسه، أو شغل العامل عن كسب عيشه، أو إهمال موظف لوظيفته.
2- أن تُحترم قواعد اللعبة المتفق عليها بين أهلها، حتى أصبحت ميثاقًا يجب المحافظة عليه؛ حتى لا ينقضه أحد جهرة أو خفية.
3ـ أن لا يستخدم العنف ضد الفريق الآخر؛ فإن الله يحب الرفق، ويكره العنف.
4- أن لا ينحاز لفريق ضد خصمه إذا كان حكمًا، بل يجب أن يكون محايدًا، ويجعل العدل شعاره ما استطاع {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} (النساء:58).
ومثل كرة القدم: كرة اليد، وكرة السلة، والكرة الطائرة وغيرها؛ فالأحكام التي تجري عليها واحدة، وإن كان لكرة القدم أهمية خاصة من ناحية تحمس الجماهير لها، واشتغالهم بها، وانقسامهم حولها، حتى لتكاد تكون في بعض البلدان "وثنًا يعبد"، وهذا ما يجب التحذير منه، فإن كل شيء يزيد عن حده، ينقلب إلى ضده، وأن الأصل في اللهو كله: أنه مباح، ما لم يبلغ حد الإسراف، كما قال تعالى: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (الأعراف:31) .
وكل المباحات مقيدة بعدم الإسراف، إذا بلغت حد الإسراف؛ استحالت إلى الحرام، بل العبادة إذا غلا فيها الإنسان أنكرها الشرع، وقال لمن غلا: إن لبدنك عليك حقًا، وإن لعينك عليك حقًا، وإن لأهلك عليك حقًا، وإن لزورك (زوَّارك) عليك حقًا؛ فأعط كل ذي حق حقه.
بقي هنا سؤال مهم، وهو: هل يجوز للإنسان أن يتفرغ للعبة من هذه اللعب، ويصبح محترفًا، في فرقة من فرق الأندية، ويأخذ على ذلك أجرًا، بل أجرًا كبيرًا في بعض الأحيان، يحسده عليه أساتذة الجامعة، وكبار الأدباء؟
والجواب: إن هذا يتبع المصلحة العامة للشعب وللوطن، فإذا كان أهل الرأي والخبرة والحكمة يرون أن هذا التفريغ لازم للنهوض باللعبة، والرقي بمستواها، وتوريثها من جيل لجيل، وأن ترقى اللعبة في البلد إلى مستوى المنافس مع الدول الأخرى؛ فلا مانع حينئذ من الاحتراف في إحدى هذه اللعب؛ إذا كان الشخص مؤهلًا لذلك، قادرًا على أن يؤدي دورا ينفع به الناشئين من أهل بلده، الذين يتعلمون منه ـ بالقول والفعل والأسوة ـ ما ينفعهم، ويرفع من شأن وطنه وأمته في مجالات التنافس الدولي.
على أن يكون ذلك بقدر وحساب يرجع فيه إلى أهل الاختصاص الثقات المأمونين؛ بحيث لا يطغى جانب على جانب، كما هو المشاهد في الكثير من بلادنا، فيغدق على بعض الجوانب إلى حد الإسراف، وتحرم بعض الجوانب من الحد الأدنى الذي تفرضه الضرورة.
والله أعلم
قال الشيخ فيصل مولوي رحمة الله في هذا الموضوع: مما لا شك فيه أن المباريات الرياضية تأخذ اليوم حجمًا أكبر بكثير مما يلزم خاصة في بلاد المسلمين، وتستعملها كثير من الأنظمة لإبعاد الناس عن المشاركة السياسية ولتنفيس المشاعر المحتقنة بسبب الكثير من الممارسات الشاذة.
إننا أمة منكوبة وأمة ممزقة وأمة متخلفة، هذه قضاياها الأساسية التي يجب أن تبذل فيها الجهود قبل هذه المظاهر المباحة؛ ولذلك، فإني أدعو الشباب خاصة إلى أن يكون أكثر جدية في حمل هموم المجتمع وقضايا الأمة، وإلى أن يكون أكثر إيجابية في العمل المنتج وألا يعطي لمثل هذه الأعمال المباحة أكثر من حجمها الطبيعي المفروض في حياته الشخصية وفي حياة الأمة.
والله أعلم