"لن نسمح لـ(إسرائيل) بالإفلات من العقاب"، عبارة تكررت في خطاب السلطة الفلسطينية مئات المرات، وخاصة على لسان نبيل أبو ردينة الناطق باسم رئاسة السلطة. سنوات وسنوات مرت على النطق بهذه العبارة. سنوات شهدت عشرات الجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وكلها تستحق الذهاب بها إلى محكمة الجنايات، ولكن لا تجد للسلطة الفلسطينية إجراء متكاملًا ضد دولة الاحتلال بهذا الخصوص!
الفلسطيني يحلم بسلطة صادقة، ولو في هذا الموضوع، ولكن سلطتنا تفعل غير ما تقوله، والعدو يفلت من العقاب على جرائمه مرة بعد مرة، وبين المرة والمرة يتشدق أبو ردينة بأن الاحتلال وجنود الاحتلال لن يفلتوا من العقاب! لقد انتظركم الشعب طويلًا، ولكنكم خيبتم ظنه، وسخرتم من مطالبه، وكأنكم حلفاء للعدو في الإفلات من العقاب، كما تتهمون في تقرير جولدستون!
فضائية الجزيرة فضحتكم. نعم هي تفضحكم بغير قصد منها طبعًا، هي لها مسؤولية عن المغدورة شيرين أبو عاقلة، أعني مسؤولية عمل ووظيفة، وقد وجدت أنه من الواجب عليها الدفاع عن حقوق الموظفة شيرين، فتقدمت بنفسها بقضية للمحكمة الجنائية تطالب بمحاكمة قتلتها، وتحقيق العدالة، وحفظ حقوق المغدورة. لم تقل الجزيرة: لن يفلت العدو من العقاب؟! هي لم تقل بل عملت، وفعلت ما في وسعها، والقضية الآن بيد محكمة الجنايات، والتهمة قتل متعمد لصحفية تمارس عملها ووظيفتها بحسب القانون؟
لماذا نجحت الجزيرة في إجراءات المحاكمة، على حين تفشل السلطة ولها ولاية على شيرين أقوى من ولاية الجزيرة، والفلسطيني ينتظر أن تدافع عنه السلطة، ولا ينظر للجزيرة مدافعًا عنه؟ نعلم أن حكومة الاحتلال لا تسمح للجنائية أو غيرها بالتحقيق مع جنودها، ولكن هذا الموقف لا يعنينا البتة، وما يعنينا هو أن تطلب المحكمة المتهم للمثول أمامها، وعند رفضه وامتناعه، تكون السلطة قد قامت بالواجب، وتكون قد نقلت القضية لمستوى آخر، هو مستوى تمرد سلطة الاحتلال على القانون والقضاء. وهذا في حدِّ ذاته عمل جيد.