نسخة مُشَرِّفة من بطولة كأس العالم نجحت دولة قطر في رعايتها، وتنظيمها، بعد استعدادات قطرية تواصلت على مدار سنوات لتخرج الصورة النهائية لمونديال قطر2022 بصورة أبهرت العالم أجمع، وتركت بصمة عربية مشرقة، بددت معها قطر الصورة النمطية السلبية للإنسان العربي في أذهان الغرب، وهي الصورة التي حرص الإعلام الغربي على بثها في عقول ووعي الشعوب الغربية التي باتت اليوم ترى من خلال المونديال صورة مغايرة للإنسان العربي، والحضارة العربية بما تحويه من قيم أخلاقية نبيلة.
حرصت دولة قطر من خلال استضافتها مئات الألوف من شعوب العالم على تقديم صورة صحيحة وحقيقية عن الثقافة والحضارة العربية، وأظهرت المودة والمحبة لجميع الضيوف القادمين من جميع الأعراق والثقافات، وطالبتهم باحترام ثقافة المسلمين، وشريعتهم الإسلامية، بل وجعلت من المونديال منبرًا للدعوة إلى الأخلاق والقيم الحميدة، من خلال استضافتها ثلة من الدعاة المسلمين الذين يمتلكون مهارات عالية في أساليب الدعوة الإسلامية وفي مقدمتهم الداعية المسلم ذاكر نايك، لتعريف الشعوب القادمة من مختلف أصقاع الأرض بسماحة وعدل الإسلام، ومنعت شرب الخمور في محيط الملاعب الرياضية، وتشبثت بكرامة الإنسان حين منعت إظهار المثلية والانحلال الأخلاقي على هامش المونديال، وواجهت في سبيل ذلك الكثير من حملات الشيطنة التي رعتها دول أوروبا وفي مقدمتها ثالوث الانحلال الأخلاقي في الغرب ألمانيا وبريطانيا وفرنسا.
لم تكن حملات الشيطنة الإعلامية والسياسية التي أطلقتها ورعتها حكومات أوروبا تجاه قطر تستهدف دولة قطر بقدر ما كانت تستهدف القيم العربية والإنسان العربي، بدءًا من استخفافها وتشكيكها بقدرة دولة عربية خليجية على رعاية المونديال، مرورًا ببث تقارير إعلامية مضللة عن انتهاكات قطر لحقوق الإنسان، ورفع شعارات براقة مخادعة حول حقوق المثليين، وصولًا إلى محاولة تلك الدول فرض انحلالها الأخلاقي والقيمي على أمة العرب على هامش المونديال، في ذات الوقت الذي تعاني فيه الأسرة الأوروبية انحلالا أخلاقيا وتفككا أسريا، وتنتهك فيه دول أوروبا علنًا حقوق المهاجرين من غير الأوروبيين، وتقدم حكوماتها المال والسلاح لكيان الاحتلال الصهيوني الذي يقتل الفلسطينيين العزّل على مدار سبعة عقود متواصلة، في تناقض صارخ، وتسييس أعمى لحدث رياضي عالمي، وازدراء غير مفهوم لكل ما يمس العرب والمسلمين، أو يرفع من شأنهم بين الأمم.
إن تزامن التصعيد الإعلامي الغربي والحملات الإعلامية والسياسية المسيئة لقطر، التي تُوّجت قبل أيام بقرار البرلمان الأوروبي ضد قطر بذريعة حماية حقوق المثليين، لا يُفهَم منها سوى حنق وغضب أوروبي من نجاح قطر الباهر بتنظيم المونديال، وهاجس تلك الدول الأوروبية من عدم قدرتها على تقديم نسخة مشابهة في المستقبل، خاصة مع التجهيزات العالمية التي قامت بها قطر، التي أنفقت خلالها أكثر من مئتي مليار دولار، في دلالة واضحة على إصرارها على تقديم صورة غير مسبوقة من هذا الحدث العالمي، وهو الأمر الذي أقر به الكثير من المراقبين الذين أشادوا بجهود قطر ونجاحها الكبير في المونديال.
وإلى جانب النجاح القطري، فإنه يحق لنا نحن الفلسطينيين إطلاق لقب "مونديال فلسطين" على هذا الحدث العالمي، نظرًا لكثرة الأعلام الفلسطيني التي رُفعت خلال مباريات المونديال، وانكشاف سوأة كيان الاحتلال، ونبذه الواضح من جميع الشعوب العربية، التي أفصحت بوضوح عن عدم اعترافها بوجود كيان اسمه "إسرائيل" في المنطقة العربية، وأن هذه الأرض المحتلة كانت وستبقى فلسطين على الرغم من مرور سبعة عقود على إقامة كيان الاحتلال فوقها.
إن القيام بجولة سريعة على وسائل الإعلام العبرية التي شاركت بفاعلية في الحملات المسيئة لقطر قبل المونديال الرياضي وفي أثنائه، يجعلنا ندرك جليًّا كمّ الغضب الإسرائيلي المتنامي نتيجة انكشاف سوأة التطبيع العربي في قطر، حيث طاف مراسلو القنوات العبرية شوارع الدوحة أياما متتالية بحثًا عن مواطن عربي يقبل بإجراء مقابلة إعلامية معهم دون جدوى، في دلالة وتأكيد واضح على فشل التطبيع العربي، وأن النظم العربية التي طبعت مع الاحتلال لا تمثل الشعوب بحال من الأحوال، حيث مثّل المونديال الفضيحة الكاشفة لأوهام الصهاينة بنجاح التطبيع مع أمة العرب.
ختامًا فإننا إذ نساند أشقاءنا في قطر في مواجهة الحملات الغربية القذرة التي تحاول النيل من هذا النجاح الكبير برعاية المونديال، وإتمام فعالياته بسلاسة ويُسر، فإننا نؤكد أن هذا المونديال أعاد للقضية الفلسطينية وهجها الإعلامي من جديد، وأثبت مرة أخرى أن الأمة العربية أمة واحدة، وأن الشعوب العربية التي نبذت كيان الاحتلال ودافعت عن قضيتها الأولى قضية فلسطين من المونديال، وفرحت في ذات التوقيت بفوز المنتخبات العربية لا تعترف بكيان الاحتلال، ولا تقر بحدود اتفاقية سايكس-بيكو التي مزقت الأراضي العربية وأمة العرب، وأن الوحدة العربية ما زالت حلمًا يراودنها يمكن لنا تحقيقه على الأرض كما نجحت قطر في رعاية هذا المونديال العالمي بجدارة منقطعة النظير.