المخاطر والتحديات المتوقعة نتيجة لفوز ممثلي اليمين القومي الديني الأكثر تطرفًا في (إسرائيل) ولنيلهم وزارات مفتاح حساسة ومتعلقة بصورة مباشرة بالصراع مع الفلسطينيين كوزارة الأمن القومي لبن غفير الشهير بإشعال الحرائق في المنطقة ومنصب وزير في وزارة الجيش ليكون مسؤولًا عن حياة وأمن الفلسطينيين في الضفة من خلال الجنرال المنسق لأعمال الحكومة في المناطق، والإدارة المدنية لسموتريتش من الصهيونية الدينية، هذه المخاطر هي تهديدات جدية وواقعية وحقيقية وربما فورية، ليس فقط ضد الشعب الفلسطيني المظلوم، بل ضد استقرار وأمن المنطقة كما تريدها أمريكا، فما هي هذه المخاطر وهل وكيف يمكن التخفيف من حدتها؟
من أبرز التهديدات على الفلسطينيين هي ضم الضفة الغربية وتصاعد العدوان وتحديدًا في المسجد الأقصى والضفة والسجون، وزيادة الاستيطان وتشريع 200 نقطة ومزرعة استيطانية في أنحاء الضفة والتضييق وملاحقة فلسطينيي الـ48، أما بالنسبة للسياسة الأمريكية فقد يتضرر التطبيع مع الأنظمة العربية وتتعرض الحليفة (إسرائيل) لملاحقات في لاهاي ولمزيد من الاعتراف بها كدولة أبرتايد وتمييز عنصري، وقد تضعف الجهود في مواجهة إيران، وكذلك قد تسقط السلطة الفلسطينية وتضطر (إسرائيل) لتحمل مسؤولية احتلالها بالكامل.
من الممكن كبح جماح (أيدولوجيو) اليمين العنصري الأكثر عدوانية تجاه العرب بواسطة ما يمكن تسميته بثلاث (آليات كبح، وتوازن) ثلاثة منها رئيسية ورابعة فرعية إن صح التعبير، وهي على النحو التالي:
آلية الكبح الأولى وقد تكون المركزية هي الضغط الأمريكي من خلال العديد من الأوراق التي تمتلكها الدولة الأكثر دعمًا لـ(إسرائيل) على الإطلاق ومن ذلك تخفيف الدعم الدولي لـ(إسرائيل) في المحاكم الدولية وإدانتها، بالأبرتايد وملاحقة جنودها وضباطها بقضايا وجرائم حرب واضحة ضد الفلسطينيين وكذلك التخفيف من الاستماع لنصائحها ضد إيران وتقييد أيدي الإسرائيليين سياسيًا وأمنيًا في المنطقة وبالتأكيد ليس لدرجة التخلي عن الحليف الأبرز حتى لو كان بن غفير رئيسًا للحكومة .
لقد بدأت مؤشرات الضغط الأمريكي بالبروز من خلال إعلان القلق من ناحية بن غفير المدان داخل (إسرائيل) بالإرهاب والعنصرية وسموتريتش المعروف بمواقفه المتشددة جدًا تجاه المزيد من الاستيطان وضد الفلسطينيين وحتمية الضم والقضاء على أمل الفلسطينيين في تقرير المصير، وقد كتبت هآرتس 2-12 عن تصريحات المسؤولين الأمريكيين وتحذيراتهم من مخاطر مواقف بن غفير وسموتريتش .
آلية الكبح الثانية المحتملة لسياسات الحكومة تتعلق بالداخل الإسرائيلي فبعد الشلل المتوقع في أدوات الكبح والتوازن التقليدية في (الديموقراطية اليهودية) كمحكمة الاحتلال العليا وسلطات فرض القانون بسبب الاحتمالية الراجحة بإقرار ما يسمى بفترة التخطي التي تسمح لأغلبية النصف +1 من أعضاء الكنيست بتخطي قرارات المحكمة العليا وبالتالي تجسيد تسلط الأغلبية اليمينية الانتخابية وليس بالضرورة العددية بأسوأ صور التسلط، بعد هذا الشلل يبرز على وجه الخصوص دور الشارع الذي دعاه رئيس الأركان السابق غادي آيزينكوت بالاستعداد للخروج لمظاهرات مليونية في حالة تجاوز الحكومة القضاء، أو أي من الخطوط التي يعتبرونها حمراء، فإن تم الأمر واستثمره أيضًا فلسطينيو الداخل المحتل؛ فسوف تتراجع الحكومة خاصة في ظل تحول نتنياهو لرمز الاعتدال أو (اليساري) بالنسبة لدهاقنة المتطرفين وهناك المستوطنين إلى جانبه، فقد يكون نتنياهو العلماني أو الواقعي نسبيًا على الأرجح هو عامل الكبح الفرعي أو حتى الرئيسي والمساند لبقية الكوابح الثلاثة.
أما آلية الضغط الثالثة فتتلخص بنجاح الفلسطينيين بالتوصل إلى صيغة وفاق وطني تسمح بإجراء انتخابات حرة ونزيهة وتجديد الدماء في قيادة الشعب الفلسطيني على قاعدة مقاومة الاحتلال الغاشم وحكومته الأكثر عنصرية وتطرفًا وهي احتمالية ضعيفة الحصول مقابل احتمالية متوسطة إلى عادية، بقيام أبو مازن بلعب ورقة المصالحة بالمناورة والتكتيك، وليس بتحول استراتيجي تاريخي في سياساته المأساوية على الشعب الفلسطيني ولا يملك فلسطيني صالح رفض تلك المحاولة حتى ولو كانت مناورة وتلك أحد أهم معضلات أحرار الشعب الفلسطيني.
هكذا يمكن مواجهة الحكومة الأكثر تطرفًا في إسرائيل ليس حرصًا على الفلسطينيين وحقوقهم المشروعة بالدرجة الأولى؛ بل لأن سياساتها تضر بالسياسة الأمريكية في المنطقة كما أنها توجه ضربة للمصالح الحقيقية لدولة الاحتلال على المدى المتوسط والبعيد، وللعجب والتناقض فهل يمكن أن تكون إذن مثل هذه الحكومة الضارة فيما يبدو لأمريكا و(إسرائيل) وللفلسطينيين على المدى الفوري والقصير سببًا في قوة تحرر الفلسطينيين بالمدى المتوسط والبعيد؟! أو حتى في ما يبدو كانطلاقة جديدة لتحررهم في المدى القصير، وفي كل الأحوال فلن يستطيع الفلسطينيون الاستفادة من الأحداث دون أن يكونوا لاعبًا مهمًا في مقاومتهم الراشدة .