عقدت في ٨ كانون الثاني من هذا العام في بيروت اجتماعات للجنة التحضيرية للمجلس الوطني، وشاركت فيها كل القوى حتى الجهاد وحماس، وتوصل المجتمعون إلى قرارات إيجابية ووحدوية كان المفترض أن تستبق اجتماع المجلس وتمهد له، وتفاءل الناس كثيرًا وتوقعوا الانفراج في كارثة الانقسام المستمرة والمدمرة.
واليوم يدور الحديث عن المساعي إلى عقد اجتماع للمجلس خلال الأيام القادمة، وتجري مشاورات واتصالات في هذا السياق، لكن المشكلة الأكبر في هذا المجال ازدياد المخاوف من أن يكون الاجتماع المحتمل وسيلة لتعميق الانقسام، بدل إزالته وتحقيق المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية، ولا سيما مع الأنباء التي تتردد عن عدم مشاركة حركتي حماس والجهاد الإسلامي في هذه المشاورات، وهذا وحده تعزيز للانقسام.
ولكننا ماذا نقرأ في عدم تحديد اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير موعدًا رسميًّا لعقد المجلس الوطني وفقًا للتوصية التي رفعتها اللجنة المركزية لحركة فتح؟، وماذا نفهم من هذا التأجيل: أتأجيل طويل هو أم قصير؟، وماذا حدث في الأيام القليلة الفاصلة بين الاجتماعين؟، هل هناك ما أدى إلى تأجيل عقده؟، أعتقد أن هناك جملة من التطورات السياسية أدت إلى تأجيل عقد المجلس الوطني:
الأمر الأول يتعلق بانتظار رؤية ما يحمل الوفد الأميركي القادم بعد أيام إلى المنطقة لبحث "صفقة القرن".
الأمر الثاني يتعلق بالتنسيق الأمني، لأن عقد المجلس الوطني يؤكد قرارات المجلس المركزي، وخصوصًا وقف التنسيق الأمني وإعادة بناء العلاقة مع الكيان العبري.
الأمر الثالث إصرار السلطة على تفعيل عضوية فلسطين في محكمة الجنايات الدولية.
الأمر الرابع يتعلق بضرورة الحصول على النصاب السياسي، أي مشاركة فصائل منظمة التحرير، وخصوصًا الجبهتين الشعبية والديمقراطية، فعقد المجلس من دونهما أو من دون الشعبية يعد ناقصًا، ومن السهل التشكيك في شمولية تمثيله، لا سيما في ظل عدم دعوة حركتي حماس والجهاد.
الأمر الخامس يتعلق باتفاق فتح على من يمثلها في رئاسة المجلس الوطني وعضوية اللجنة التنفيذية الجديدة في ظل كثرة المتنافسين، ومرض أمين سر اللجنة التنفيذية صائب عريقات وحاجته إلى عملية يتضح بعدها مستقبله السياسي.
الأمر السادس يتعلق بأن قرار عقد المجلس الوطني ليس قرارًا فلسطينيًّا فقط، وإنما بحاجة إلى غطاء عربي ودولي، وهناك أمور إضافية تؤخذ في الحسبان، مثل أحداث المسجد الأقصى والأوضاع الاقتصادية ... إلخ.
هذه المعوقات الستة التي تقف حائلًا دون عقده، ويجب أن تؤخذ بالحسبان، ولا يمكن القفز عنها دون إيجاد حلول مرضية أو حلول جذرية لها قبل عقد المجلس، بدليل جرت محاولة لعقد المجلس بمن حضر في عام 2015م، بعد تقديم الرئيس وعدد من أعضاء اللجنة التنفيذية استقالتهم لضمان عقده، ولكنها لم تنجح بسبب الخلاف الفتحاوي الداخلي، وقرار الجبهة الشعبية بالمقاطعة، ومعارضة أعداد كبيرة من الفلسطينيين الذين وقعوا عريضة طالبت بالتأجيل وعقده بعد التحضيرات المطلوبة، لكي يكون مجلسًا وطنيًّا توحيديًّا، لا خطوة من شأنها تكريس الانقسام ومدّه ليصل إلى المنظمة.
فالمتعارف أن المجلس الوطني يمثل أعلى سلطة فلسطينية وله القرار الأول في الشؤون الوطنية والقيادية، ويجب أن يظل كذلك وأن يمارس دوره المنشود في هذه المرحلة المصيرية الحاسمة من تاريخ قضيتنا بإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية.
إن اجتماع بيروت وما صدر عنه من قرارات يجب أن يظل الوسيلة لعقد المجلس الوطني، وإذا كان تحقيق المشاركة الجماعية كما حدث في بيروت أمرًا صعبًا أو غير ممكن؛ فمن الأفضل تأجيل الاجتماع، حتى لا يتحول إلى أداة لتكريس الانقسام من طريق أعلى هيئة قيادية وسلطة فلسطينية.
فإذا صعد الانقسام الفلسطيني إلى قمة الهرم؛ فحتمًا سينهار الهرم برمته من الأعلى إلى الأسفل، نحن ندرك حجم الاختلافات في المواقف، لكن في الوقت نفسه ندرك خطورة عقد المجلس دون المشاركة الجماعية لكل القوى الفلسطينية، خصوصاً الفاعلة منها في مختلف ساحات العمل.