كنت واحدًا من ثُلةٍ من الكُتَّاب والمحللين السياسيين مستقلين ومنتمين لِألوان الطيف السياسي الفلسطيني في ضيافة القائد المجاهد يحيى السنوار في مكتبه بمدينة غزة.
هذا اللقاء الذي جَمَعنا مع هذه الشخصية الهادئة المتواضعة فاتِحَةً لحديث طال لساعات، كان فيه الرجل متحدثًا لَبِقًا وصريحًا حد المباشرة، أجاب عن كل أسئلتنا بعقل شفاف مُنفتح على الكل الوطني ومستمعًا جيدًا لملاحظات كان بعضها حادًا صادقًا، وبعضها تجاوز حدوده كونه استند إلى ما يُشاع وكان جُلُّهُ منافيًا للواقع، ولكن "أبا إبراهيم " كان يُفكر بعمق ويصغي باهتمام بالغ وهو يُسجِّل التساؤلات واحدًا تِلو الآخر.
جاءت ردوده كما توقعنا واضحة وفي العمق ودون رتوش المناورة أو تكتيكات الإفلات، حتى شهد الجميع أنه تحدث أولًا كفلسطيني وطني ومن ثم بثوب وسطي إسلامي يمد اليد بكل الصدق للجميع وأن همه الأول والثاني والعاشر هو النهوض بالمشروع الوطني وليتبوأ كل من تعز عليه القضية الوطنية بثوابتها المعلومة الموقع الذي يستطيع وله من حماس كل الدعم المعنوي واللوجستي بل التسليحي والمتطور منه.
وأكد بالقطع أن حركتهُ مَعنية بمشروع تحرير الوطن من مُحتليه وأن حركته قدمت تنازلات لا تخطر على بال بحل حكومة هنية رغم أنها جاءت بإرادة أغلبية الشعب الديمقراطية وسلمت رئاستها للرئيس وأعطت الضوء الأخضر لحكومة الحمد الله وطالبتها باستلام مهامها منذ ذاك الحين، فكيف يمكن قبول فصل القطاع عن الضفة، ونوه السنوار بالإجراءات التي يتخذها الرئيس عباس والتي تُخرج قطاع غزة من ولاية السلطة وتشدد خنق وحصار أكثر من مليوني فلسطيني وعلى كل الصعد الصحية والتعليمية والاقتصادية والاجتماعية وبحدود غير مسبوقة تلك التي تقطع أرزاق عشرات الآلاف وتهدد حياة الآلاف من مرضى الحالات المستعصية وتقطع الكهرباء والدواء والتهديدات وللأسف تتوالى بالمزيد.
وفي هذا السياق، أكد السنوار أن أيدينا مفتوحة إلى أوسع مدى للوصول إلى اتفاق وحدوي مع حركة فتح ومع الأخ الرئيس بالأمس قبل اليوم، ولتتسلم حكومة "الوفاق الوطني" سلطاتها كافة، وأنه التقى الإخوة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح أحمد حلس، وعضوي المجلس الثوري هشام عبد الرازق وتيسير البرديني وناشدهم للعودة بالضوء الأخضر من أجل البدء بمصالحة جدّية وستقوم الحركة وفورًا بحل "اللجنة الإدارية" والتي شكلت كنتيجة للفراغ السياسي الذي أحدثه تخلي "حكومة الرئيس" عن واجباتها.
ونوه السنوار أن الإخوة المعنيين من فتح لم يعودوا حتى اللحظة للبدء جديًا في تنفيذ بنود المصالحة التي وقَّعنا عليها جميعًا في القاهرة عام 2011، وفي الدوحة عام 2012، وفي الشاطئ عام 2014.
وقال نحن جاهزون لتسليم القطاع للحكومة وللبدء فورًا في الانتخابات التشريعية والرئاسية وللمجلس الوطني وللمصالحة المجتمعية ولدعوة الإطار القيادي المؤقت للمنظمة ومُتابعة اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني أعمالها كما أُقِرَّ في بيروت مؤخرًا. وعن الحريات أكد أنها مُصانة وأن لكل الحق في قول كل ما يشاء وطالب الحضور بذكر أي حالة مَسْ بالحريات الديمقراطية والرأي والرأي الآخر بل وشكل المجلس الوطني للإعلام وإنشاء خط أحمر مع الكتاب لعلاج فوري لأي تجاوز وميدانيًا.
كما بشر السنوار أن العلاقات مع الشقيقة مصر تأخذ أبعادًا إستراتيجية على كل الصعد الأمنية والاقتصادية وحركة المسافرين وسيكون المعبر ممرًا للأفراد والبضائع وسيرفع الحصار بالتزامن مع إعادة ترميم المعبر والذي سَيُؤتي أُكُلَهُ بُعيْد عيد الأضحى المبارك.
وأكد "أبا إبراهيم" أن حركة حماس تتابع عن كثب أوضاع الخريجين الجامعيين العاطلين والبطالة التي تزيد على 200 ألف وحالات الفقر والمرض وأن لديها خططها لمواجهة كل ذلك بما ينهض بالأوضاع. وتحدث هنا عن المشاريع التي ستشغل هؤلاء ليعيشوا بكرامة وليساهموا في معركة التحرير وأن هناك حلولًا قريبة لأزمة انقطاع التيار الكهربائي.
وقد وجه السنوار عديد الرسائل للعدو الصهيوني، وأن حركته وحركة الجهاد وفصائل المقاومة الأخرى قد رمّمَت ما فقدت وأضافت إليه أضعاف الأضعاف وستفاجئ حماس العدو بما تملك من أسلحة نوعية جديدة وأخرى متطورة في دقتها ومدياتها ورأسها التدميري.
وكان في رده على أحد الأسئلة حول الأنفاق بأن تحت قطاع غزة مدنًا كثيرة ستردع العدو كما لم يحدث من قبل!
وأضاف بأن الحركة وفصائل العمل الوطني بصدد تشكيل "جيش التحرير الوطني الفلسطيني" الذي سيعتمد خوذة وزيًّا موحدين مع احتفاظ كل فصيل بشعاراته المميزة.
كما نبه إلى أن أي محاولة للعدو وعملائه لدفع مجموعات لخلق فوضى أمنية في القطاع فإن الرد سيحرق الأخضر واليابس وستقطع يد هؤلاء العابثين فورًا، وقد ختم حديثه قائد حركة حماس في قطاع غزة، بأنه "ورغم الثقة بالله والاستعداد والثقة بالنفس والشعب، إلا أن الحركة وفصائل المقاومة لن تبادر بأي عمل عسكري، لأن كل يوم هدوء يعني المزيد من الإعداد والاستعداد".
كان الرجل متفائلًا بأن غد النصر قادم وقريب وكأنه يقول، كلما أطلت النظر وراءك ومَحَّصْت تجاربك وتعلمت الدروس جيدًا فإنك سترى أبعد وسترسم المستقبل الموعود نصرًا مؤزرًا ووطنًا حرًا ومستقلًا، وختم السنوار: "وستأتي اللحظة التي نقول فيها بكل اطمئنان، كان هناك دولة اسمها (إسرائيل)".